الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }

{ إنَّ الَّذين يتْلُون كتاب الله } يكررون تلاوة القرآن كحصين بن الحارث بن عبد المطلب القريشى، وقد قيل: نزلت فيه، ولكن الحكم بعموم اللفظ كما قيل: المراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل بالأولى، وكما قيل: المؤمنون، فيدخل هو والأصحاب بالأولى، والمراد التلاوة المستتبعة بالعمل، كما يدل له ذكر بعض الشرئط بعد، وقد فسرت التلاوة بالعمل والاتباع، كما يقال: تلوت الشىء أى تبعته، وقد ورد: رب قارىء للقرآن والقرآن يلعنه، وأجيز أن يفسر كتاب الله بكتبه، فتشمل المتقين من الأمم السابقة، فالمضارع للتحدد المستمر حكمه، حتى يشمل القرآن وأهله، ولحكاية الحال الماضية، بحيث يقاس عليها القرآن وأهله، قياس الأعلى على ما دونه.

{ وأقامُوا الصَّلاة } أتوا بها مستقيمة { وأنفَقُوا ممَّا رزقناهُم } الرزق ما انتقع به أحد ولو حراما، إلا أنه يعذب على الحرام، والمراد هنا الحلال إذ لا يمدحهم الله على إنفاق الحرام، ولا يثيبهم عليه، لأن انفاقه كبيرة كأكله، وكذا كل تصرف فيه سوى رده لصاحبه، أو ورثته وحفظه بنية الرد، أو للفقراء ان لم يجد، وخصته المعتزلة بالحلال، وفى لفظ من إشارة الى أنهم لم يسرفوا ولم يقتروا، ولا يتصور إسراف فى الواجب كالزكاة، لأنها قليل من كثير، ولا فى واجب استغراق المال أو كاد ككفارات كثيرة لم تبق من المال إلا نفقة سنة، فما زاد صامها صوما.

{ سراً وعلانيةً } كيفما اتفق له من غير قصد الى سر، أو ظهور، الأولى فى الواجب كالزكاة الإظهار، وكالمسنون المؤكد كصدقة الفطر لا لداع صحيح، وفى غير ذلك الإسرار إلا لعارض صحيح كنية الاقتداء، مع إخلاص، وقد فسر بعض السر بغير الفرض، والعلانية بالواجب، والنصب على المفعولية المطلقة على حذف مضاف، أى انفاق سر وعلانية، أو على نزع الجار، أى فى سر وعلانية، أو على الحالية بمعنى مسرين ومعلنين، أو مصاحبى سر وعلانية { يَرجُون } بالتلاوة وإقامة الصلاة، والانفاق حال من واو وأنفقوا، ويقدر مثله ليتلون، ومثله لأقاموا لا على التنازع، لأن المهمل يضمر له، والحال لا تكون ضميراً، ويقدر ما يعم الكل أى يفعلون ذلك يرجون { تجارةً } سمى فعل ذلك بل إخلاصه، بل قصد الثواب عليه تجارة على طريق الاستعارة التصريحية، الأصلية لجامع قصد أن يأخذ أكثر مما خرج منه، والقرينة لفظية، وهى التلاوة والاقامة والانفاق لوجه الله، ليست مما يباع.

{ لَن تَبُور } نعت تجارة، أى لن تضيع بالكساد فهذا ترشيح للاستعارة، ويجوز أن تكون تمثيلية بأن شبه القصد الى تلك الأعمال وإيقاعها، وقصد الثواب عليها بأكثر بالقصد الى نحو سلعة وشرائها، والمبايعة بها، وقصد الربح الزائد عما اشتراها به، وخبر ان محذوف، أى لهم ما رجوا، أو يقدر هذا الخبر قبل انه غفور شكور، أو الخبر انه غفور شكور، والرابط محذوف أى غفور لذنوبهم، شكور لتلك الأفعال منهم، أو الخبر يرجون على طريق المدح لا على طريق الاخبار بالثواب، وهو مدح يتضمن الثواب، وهو كالحجة للثواب، وفسر بعض التجارة بتحصيل الثواب، وبعض بالجنة، وبلن تبور بلن تنقطع.