الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ ولا تَزرُ } لا تحمل، والوزر، حمل ما شغل، وسمى الوزير لأنه يحمل ثقل الرأى واستخراجه مع السلطان، فليس يختص بالذنب { وزارةٌ } نفس ذات ذنب { وِزْر أُخْرى } مفعول به لتزر، أى لا تحمل ذنب نفس أخرى أو حملها وهو الذنب، ويجوز حمل تزر على معنى تذنب، فيكون وزر مفعولا مطلقا، أى لا تذنب ذنبها، أو لا تتصف به فتخلو عنه الأخرى وتنجو، بل تزر وزر نفسها وهو خلالها، ووزر الإضلال هو أيضا فعله من غير أن ينقص من وزر الضال التابع له شىء، فللضال ذنبه، وللضال المضل ذنبان كقوله تعالى:وليحملنَّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } [العنكبوت: 13] فكل ما فعله الضال فمثله لمضله، وكذلك لا تزر غير الوازرة، وزر الوازرة، بل تنجو الا ان ضلت الأخرى باضلالها، فعليها مثل وزرها، لأنها أضلتها، وخصت الآية بذكر الوازرة لأنها نزلت فى شأن المذنب الحامل لغيره على الذنب، كما روى أن الوليد لعنه الله قال لقوم من المؤمنين: اكفروا بمحمد وعلىَّ وزركم.

{ وإنْ تَدْع مُثْقلةٌ } نفس أثقلها حملها نفسا أخرى وازرة أو غير وازرة { إلى حِمْلهِا } بأن تحمله عنها كله أو بعضه { لا يُحْمل منْه شيءٌ } لا تحمل منه شيئا، ومن باب أولى لا تحمل منه شيئا إن لم تدع الى الحمل، وأما حمل الكل ففى قوله: { لا تزر وازرة وزر أخرى } واندفع التكرار بذلك، ولا حاجة الى دفعه بأن الأول فى نفى الاجبار على الحمل، والثانى فى نفى الحمل اختيارا إذ لا دليل على الاجبار إلا ما يتوهم من أن المراد لا يحكم الله بحمل الوازرة وزر الأخرى، وأيضا الأول نزل فى اختيار الوليد لمن يدعوه الى الضلال، وأيضا مضمون الأول الدلالة على عد الله، والثانية أنه لا يستغاث من هول ذلك اليوم، وإذا قيل ضرب ضارب زيدا، فليس هناك إلا ضرب واحد، والمعنى ذات حدث منها ضرب.

{ ولَوْ كان } أى النفس، وجاز تذكيره لأن المراد الانسان مثلها، أو الشخص أو المكلف، أو ولو كان الداعى المعلوم من تدع { ذا قُرْبى } أى قرابة من المدعو، وهذا أولى من أن يقال: ولو كان المدعو ذا قرابة من الداعى، لأن المذكور هو المثقلة، فرد الضمير اليها بالمعنى أولى وهى الداعى، ولا ذكر للمدعوة هنا، { إنَّما تُنذر الَّذين يخْشَون ربَّهم } أى يؤثر انذارك فيهم لا فى سائر من تنذر، فاستعمل السبب فى المسبب، وما خرج الا من هو شقى، فكل من أنذر واتبعه فهو خاش لربه، الا إن ختم له بالشقوة أو أفسد خشيته بترك اقامة الصلاة أو بغير ذلك { بالغَيْب } حال من الواو، أى ثابتين فى الغيب عن عذاب الله أو عن الناس، أو من رب، أى غائبا عنهم لا يرونه، أو غائبا عذابه اذا لم يحضر.

{ وأقامُوا الصَّلاة } راعوها بشروطها وشطورها، أو رفعوها بذلك كنار على علم ولو فى الغيب عن الناس { ومَن تَزكَّى } تطهر من الأوزار باجتنابها، والخشبة واقامة الصلاة والتوبة من صغائرها وكبائرها { فإنَّما يتزكَّى لنَفْسه } لعود نفع تزكية اليه، ومن تدنَّس فعليه { وإلى الله } لا الى غيره ولا اليه والى غيره { المَصيرُ } الصيرورة، فيجدد عنده لنفسه أو على نفسه ما قدم من خير أو شر يجازى به.