الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

{ مَنْ كانَ يُريدُ العزَّة } بالمعصية كالتكبر على الغير بلا حق، وكما يتعزز الكفار بالأصنام كما قال تعالى:واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً } [مريم: 81] وكما يتعزز المنافقون بالمشركين، كما قال جل وعلا:الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة } [النساء: 139] والجواب محذوف أى يخب أو يذل، أو فليطلبها من الله بالطاعة، أو فهو مغلوب، أو فليطع العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز " نابت عنه علته فى قوله تعالى: { فللَّه العزَّة جميعاً } أى لأن العزة لله جميعا، وأما قوله تعالى:ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون: 8] فلا يرد على ذلك، لأن تعزز الرسول والمؤمنين ليس بطريق المعصية، بل بالتقرب الى الله عز جل.

فى الآية حصران: أحدهما بتقديم { الله } والآخر بـ { جميعا } وإن جعلنا أل فى العزة للاستغراق كان حصرا آخر، لا إن جعلناها للحقيقة ولا يصح جعل أل فى الأول للاستغراق، ولا للفرد الكامل لأنه لا يعتاد ذلك فى الناس، فضلا عن أن يقال من كان ذلك الا ما شذ وقل، مع أنه لا يخلو قلب صاحبه من خلاف ذلك، إلا أن يقال: ذكر الله ذلك ليذكر اختصاصه تعالى به لا لصدور ارادته من أحد، وجميعا حال من الضمير فى لله.

{ إليْه يصْعَد الكَلِمُ الطَّيبُ } الخ بيان لما تحصل به العزة عند الله للانسان، وبيان لكون العزة كلها له تعالى، وهى بالطاعة، ولا يعتد بها مالم تقبل، وأجيز أن يكون استئنافا، واذا أمكن التعلق للجملة بما قبلها، وأمكن الاستئناف، فالتعلق أولى لزيادة الفائدة، والكلم الطيب: لا إله إلا الله لأنه يستطيبه العقل لأنه منجاة، والشرع والملائكة، وكل كلمة منه طيبة، لأنه يتوطل بلا وبإله الى الاستثناء، فكلاهما حسن فى العبارة، ولا يخفى أن ذكر الألوهية لغير الله، تنفى أمر حسن، وإن قلنا: الكلمة هنا بمعنى الكلام التام المفيد مجازا على المشهور، كقوله تعالى:وتمت كلمة ربك } [الأنعام: 115]كلا إنها كلمة } [المؤمنون: 100] وقوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل كلمة قالها شاعر قول لبيد: "
ألا كل شىء ما خلا الله باطل   
الخ فالجمع باعتبار الناطقين، وعلى التجوز تكون القرينة الوصف بالطيب، لأن الأصل فى الطيب الكلام التام المستلذ، وعن ابن مسعود موقوفا: " هو سبحان الله، والحمد لله، ولا اله الا الله، والله أكبر، وتبارك الله، يصعد بهن ملك لا يمر على جماعة من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن " وعن أبى هريرة ذلك الى والله أكبر، وقيل: ذكر الله مطلقا، وقيل: القرآن، وقيل: كل كلام لله عز وجل من ذكر وأمر ونهى ووعظ، ونعت الكلم بالمفرد لجواز ذلك فى اسم الجمع، ولأن أصله فعيل فقدم الياء وأدغم، وفعيل بوزن مصدر السير، والصوت يصلح، والمصدر للقليل والكثير، والصعود مجاز مرسل عن القبول، لعلاقة الاعتبار بالصاعد أصلى، اشتق منه يصعد على طريق المجاز المرسل التبعى، أو استعارة أصليه للقبول بعلاقة الاعتبار، واشتق منه يصعد على طريق البعية، أو الكلم مجاز عن نحو الورقة التى كتب هو فيها لحلول متضمن الكلم فيه، أو يقدر مضاف أى صحيفة الكلم، أو شبه وجوده فى الأرض وكتبه فى السماء بالصعود.

السابقالتالي
2 3 4