الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ قلْ إنَّ ربي يبسْطُ الرِزْق لمَنْ يشاءُ } بسطه له { ويَقْدر } يضيقه لمن يشاء ضيقه له، وليس البسط دليل الكرامة، ولا القدر دليل الهوان، وإلا خُص البسط بالمطيع يفعل ما يشاء بحسب الحكمة من البسط للمطيع، والقدر للعاصى والعكس، والبسط لهما، والقدر لهما والبسط لواحد تارة، والقَدْر له أخرى، فلا يقاس ثواب الآخرة وعقابها على البسط والقدر.

{ ولكنَّ أكْثر النَّاس لا يعْلمُون } ذلك، فمن قائل: البسط للشرف والكرامة عند الله تعالى، والقدر للهوان والحقارة ومن متحير معارض له عز وجل كيف بسط لفلان، وقدر على أو على فلان، قال:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه   وجاهل جاهل تلقـاه مرزوقـا
هذا الذى ترك الأوهام حائرة   وصير العـالم النحرير زنديقـا
أراد بالعالم النحرير الجنس أو خصوصا نفسه، فإن أراد التعجب من قضاء الله مؤمناً به فلا بأس، وإن أراد الجهل والشك فهو كفور، والمؤمن من قال:
ومن الدليل على القضـاء وكـونه   بؤس اللبيب وطـيب عيش الأحمق
قال محمد بن كعب القرطبى: إن الغنى إذا كان تقيا يضاعف له الأجر مرتين، ثم قرأ قوله تعالى:وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم } [سبأ: 37] إلى قوله:جزاء الضعف } [سبأ: 37] الخ وعنه صلى الله عليه وسلم: " ما أحسن الغنى مع التقوى " وعن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم: " نعم المال الصالح للرجل الصالح " وعن هشام عن عمر: كرمكم تقواكم، وشرفكم غناكم، إحسانكم أخلاقكم، قال بعض المتقدمين: المال فى الغربة وطن، والفقر فى الوطن غربة، ومن جعل الفقر لحافاً فهو غريب أينما كان، قلت: هذا غنى إذا أنس به، واطمأن قلبه، قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يجمع المال من حله ليصل به رحمه، ويخرج منه حقه، ويصون به عرضه، قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها: قسم ميراث الزبير بن العوام أربعين ألف ألف درهم.

وكان لعبد الرحمن بن عوف ثلاث نسوة، طلق إحادهن فى مرضه، فصولحت عن ثلث الثمن على ثلاثة وثمانين ألفاً، وعن عمرو بن دينار: غلة طلحة بن عبيد الله كل يوم ألف، وقد فضل قوم الغنى لذلك، ولو حرم لم يتركهم النبى على غناهم، وشرط ذلك إخراج الحقوق منه، والنفع به، وعدم الفخر والكبر به، وقد اختار بعضهم الفقر من الرجل الصالح على الغنى من الغنى الصالح، ويناسب الأول قوله تعالى:ووجدك عائلاً فأغنى } [الضحى: 8] فلو كان الفقر أفضل لم يغنه.