الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ }

{ ذلك } التبديل البعيد رتبة فى الضر مفعول به لقوله: { جَزَيْناهم } أو مفعول مطلق للجزاء بعده، وعلى كل حال قدم للتهويل أو للحصر، أى لا جزاءً آخر { بما كَفَروا } بسبب كفرهم النعمة، أو كفرهم بالرسل الثلاثة عشر، وذلك قبل سيدنا عيسى عليه السلام، أو سيل العرم بعده، والأنبياء قبله { وهَلْ يجازى } مثل هذا الجزاء { إلا الكفور } المبالغ فى الكفر، أو هل يجازى بكل ما فعل إلا الكفر، أو هل يجازى جزاء غضب إلا الكفور، والمؤمن يجازى ببعض ما فعل فى الدنيا تميحصا لا غضبا، والمجازاة فى الشر والجزاء فى الخير غالبا، بل لم يرد المجازاة فى القرآن إلا فى هذه الآية فالجزاء فيها للشر.

{ وجَعَلنا } قبل الخراب { بيْنَهم } بين بلدتهم التى بنى لها السد { وبَيْن القُرى التي باركْنا فيها } هى قرى الشام، ومنها قرى بيت المقدس، وعن ابن عباس: قرى بيت المقدس، والقولان أولى، لأن المعرف بالبركة ثماراً ودنيا هو تلك البلاد القدسية، من قول إن: المراد السراوية، وقول إنه قرى صنعاء، وقيل قرى مأرب { قرى ظاهرة } تظهر لمن فى واحدة الأخرى شدة القرب عند قتادة أربعة آلاف وسبعمائة قرية، من سبأ الى الشام، لا يحملون زادا، ولا يحتاجون يقيلون فى واحدة، ويبيتون فى أخرى.

وقال المبرد: ظاهرة للناظر من بعيد لكونها على المواضع المرتفعة كالجبال: وذلك شرف لها، وقيل: متبينة الحسن واللياقة للمار، وقيل: ظاهرة للمار لكونها علىالطريق يسهل للمار الانتفاع منها، وعن ابن عطية: خارجة عن المدن الكبار، وظواهر المدن ما خرج عنها، وقوله: " جعلنا " إلخ عطف على ما قبله عطف قصة على أخرى، فهم فى نعم عظيمة فى حضرهم وسفرهم.

{ وقدَّرنا فيها السَّير } جلعنا السير فيما بينها على مقدار لائق، ففى بمعنى بين، أو يقدر مضاف أى فى طرقها، ونكتة فى الاشارة الى أن السير فى خارجها كالسير فى داخلها مبالغة فى ذكر نعمها لهم من شدة القرب، كأنهم لم يخرجوا منها كما مر عن قتادة. ولو اختلف القرب، وقيل: من سار صباحا من واحدة وصل الأخرى وقت الظهر، ومن سار منه وصل الأخرى وقت الغروب، فبين كل واحدة والأخرى ما بين الصبح والظهر، أو ما بين الظهر والغروب، وقيل بين كل قريتين ميل، وفى كل الأقوال لا يحتاج الى حمل زاد، ولا الى مبيت فى غير عمران، وأكد القرب بقوله:

{ سِيرُوا فيها ليَالي وأيَّاما آمنِين } الجملة منصوبة بحال محذوفة أى قائلين بالوحى، أو بلسان الحال سير والخ، ومعنى " ليالى وأياما آمنين " متى شئتم لا يختلف الأمن، ولا يتخلف بوقت لعدو أو سبع أو دابة مضرة لفقد ذلك، ولو امتد سفركم ليالى وأياما، وعن قتادة يسيرون فى ذلك أربعة أشهر أو لمرد مدة أعماركم فعبر بليالى وأياما تلويحا بقرب الموت، وقدم الليل لتقدمه على اليوم، ولأنه مظنة الخوف، وضع الله عز وجل الأمن فيهم حتى لو وجد قاتل أبيه لم يغير عليه بقول.