الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

{ إنَّا عَرضْنا الأمانة } ما يجب فعله وما يجب تركه، وجاء فى الحديث، عن زيد بن أسلم، عنه صلى الله عليه وسلم: " الأمانة ثلاث: الصلاة والصيام والغسل من الجنابة " قلنا: هذا تمثيل لا حصر، وهذا هو الصحيح، وقيل: لا إله إلا الله، لأن الأعمال تتوقف على التوحيد، ويضعف تفسيرها بالأعضاء، ومثل لها ابن عمر موقوفا بالفرج، وشهر هذا عن عمرو بن العاص، وقال: " أول ما خلق الله من الانسان الفرج وقال: هذه أمانتى عندك فلا تضعها إلا فى حقها " والسمع أيضا أمانة، وقيل: أمانات الناس، والوفاء بالعهود، وقيل: أن لا تغش أحدا، وإذا حملنا الأقوال على التمثيل عدنا الى ما فسرت به أولا من الواجب فعلا أو تركا.

{ على السَّماوات والأرض } المراد الأرضون { والجِبَال } أى على أهلهن، ولما حذف قيل: " أبين ويحملنها وأشفقن " ولم يقل: أبوا، وأن يحملوها واشفقوا، وقيل: خلق فيهن العقل وخيرهن فى القبول على الثوب والعقاب، وقلن تخاف العقاب، ولا نحتاج الى الثواب كما قال الله عز وجل: { فأبَين } امتنعن منها، ولولا التخيير لم يمتنعن { أن يحْملنَها } مفعول به، أى منعهن حملها عن أنفسهن، أى لم يقبلنه وكرهنه، أو امتنعن من أن يحلمنها { وأشْفَقْن منها } اشد خوفهن للعقاب على عدم الوفاء، أو معنى عرضها عليهن، وابائهن خلقهن على وجه لا يقبل التكليف بها، لعدم العقل، وعدم صور ما يتصور من الانسان منهن، أو المعنى لو عرضناها عليهن لأبين بعقل أو دونه على حد ما مر.

{ وحَمَلها الإنسانُ } أى خلقناه على وجه تتصور هى منه، وكذا الجن والملائكة، إلا أنهم لا تشق عليهم وهى العبادة، لأنها من جنس ما طبعوا عليه، ومع ذلك لهم اختيار مدحوا به، والجن كالانسان، إلا أنهم لم يذكروا، لأن الكلام فى الانسان وإيذائه الرسول، والمراد جنس الانسان، وحمله لها كونه على وجه يتصور معه أداؤها، أو نطقه بأدائها يوم يقول:ألست بربكم } [الأعراف: 172] وكذا أقر آدم، وقل: الانسان آدم، خلق الله تعالى صخرة عجزت عنها السماوات والأرض والجبال، وقد عرضت عليهن، فحركها آدم وقال: لو شئت لحركتها فحملها الى حقوية، ثم الى عاتقة، وأراد وضعها فنودى: كما أنت قد لزمتك وذريتك الى يوم القيامة اى قف كما أنت لا تضعها، وفيه أن تسمية آدم بما قال الله تعالى:

{ إنَّه كان ظَلُوما جَهُولا } بعيدة لأنه ولى له لا يسميه بذلك، ولو كان المعنى أنه ظلوم لنفسه جهول لأمر الله، أى بعاقبة حملها، ولو قيل بأن من شأنه ذلك، لولا أن الله وفقه، أو قيل: ظلوم جهول فى حساب الملائكة، ثم علموا غير ذلك، قيل: ما بين حملها وخروجه من الجنة بالزلة إلا قدر ما بين الظهر والعصر، ويقال: قال: أحملها إجلالا لك، فقال: وجلالى لأعيننك، والصحيح أن الانسان الجنس، والمبالغة فى الظلم والجهل باعتبار غالب الأفراد، وكذا تظنهم الملائكة يومأتجعل فيها من يفسد فيها } [البقرة: 30].