الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ }

{ وقالُوا } تارة لا قولا مستمرا، ولذلك ولتحقق الوقوع كان بصيغة الماضى، وذلك للتشفى من كبرائهم وساداتهم الموقعين لهم فى هذا المورد الوخيم لا لرجاء الخلاص، ألا ترى الى قولهم:ربنا آتهم ضِعْفين من العذاب } [الأحزاب: 68] { ربَّنا إنا أطعْنا سَادتَنا } أمراءَنا وملوكنا المتولين لأمر العامة { وكبراءنا } رؤساءنا الذين دونهم، الذين أخذنا عنهم فنون المعاصى والاشراك، وذلك مقابلة لقولهم:يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } [الأحزاب: 66] قابلوا الله عز وجل بساداتهم، والرسول بكبرئهم، وذكروهم فى مقام الهوان والتحقير بالسيادة والرياسة، الواقعين فى الدنيا تقوية للاعتذار بأنهم قادرون علينا، يصرفوننا حيث أرادوا، والآية فى أهل الشرك، وفيها زجر لأهل التوحيد عن طاعة أميرهم فى المعصية فعن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فاذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".

وروى أنه صلى الله عليه وسلم أمَّر رجلا على جيش وغضب عليهم، فأوقد نارا فقال: ادخلوها، فأراد بعض ان يدخلها، وقال بعض: لا إنما فررنا منها، فقال صلى الله عليه وسلم: " لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا لا طاعة لمخلوق فى معصية الله إنما الطاعة فى المعروف ".

وعن أيوب بن خالد عنه صلى الله عليه وسلم: " سيكون عليكم بعدى أمراء يعملون ما ينكرون ويأمرونكم بما لا يعلمون أولئك لا طاعة لهم " وروى: " لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق " وعن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: " من رأى شيئا يكرهه فليصبر فانه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات موتة جاهلية " والمعنى يصبر ولا يطيعه فى المعصية، وينهاه إن قدر وإلا جاز له المقام معه، ولا يعينه، وإن كان قتاله يجر الى شر من ذلك، فلا يقاتله.

وقدموا ذكر السادات لأنهم أقوى، والمالكون على الكبراء، وذلك أولى من أن يقال هم نوع واحد، يقال لهم: سادات وكبراء، أو متصفون بالسيادة والكبر، السادة جمع سيد شذوذاً، لأن فعيلا لا يجمع على فعلة، فأصل سيد سويد، قلبت الواو ياء وأدغمت فى الياء، وأصل سادة سودة بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح، وإن كان جمعا لسائد المقدر فشاذ أيضا، لأن فعلة لا يكون جمعا لفاعل المعل، أو سادة اسم جمع.

{ فأضلُّونا } صيرونا بوسوستهم بالكفر ضالين عن اتباع السبيل الحق، سبيل الله ورسوله كما قال: { السَّبيلا } الواضح والف الرسولا والسبيلا للاطلاق، والوقف عليها لا بحذفها، واسكان ما قبلها على الصحيح، وانما عدى لاثنين لتضمنه معنى صيرونا مخالفين السبيل، وهذا أولى من ادعاء أن السبيل منصوب على نزع عن.