الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ ألم تَرَ } يا محمد او يا من يصلح للرؤية مطلقا هو اولى { أنَّ الله يُولج الليل في النهار ويوُلج النهار في الليل } يدخل كلا فى الآخر بالنقص منه، وزيادة ما نقص منه فى الاخر: ولم يقل يولج احد الملوين فى الآخر، مع انه انه اقل لفظا لصلوحه بحسب ظاهره، بان يكون يولج احدهما فى الاخر، ولا يولج الاخر فيه، ولم يقل: يولج كلا من الملوين فى الاخر ليصرح فى التفصيل بالدلالة على استقلال كل منهما فى الدلالة على كمال القدرة، وقدم الليل لتقدم الظلمة، إذ كان العالم مظلما، ثم خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم مضيئا، وخلق الشمس والقمر والنجوم.

{ وسخَّر الشَّمس والقَمَر } قدمها مع تقديم الليل الذى يكون فيه ضوء القمر على النهار الذي يكون فيه نور الشمس، لانها كالمبدأ للقمر، ولأنها اعظم، وتسخيرها مع عظمها اعظم من تسخير القمر، وأيضا تأثير الشمس فى العالم من الشجر والنبات وغيرهما اعظم من تأثير القمر فيه، ولان نور القمر بها: فانه اطلس، وما قابلها منه استضاء، وذكر الايلاج بالمضارع لتجدده والتسخير بالماضى، لانه امر لا تعدد فيه، وانما التعدد فى اثره، ومنه الجرى الى اجل مسمى فى قوله تعالى:

{ كلَ } كل واحد من الشمس والقمر { يَجْري } على استمرار { إلى أجل مسمّى } سماه الله وعينه، وهو يوم القيامة، يكفهما الله سبحانه عن الجرى، ويزيل نورهما فتقوم الساعة عقب ذلك، وحركتهما هى بواسطة حركة الفلك الاعظم، وبها حركة سائر الافلاك وكواكبها، وتسمى، حركة الكل، الحركة اليومية، والحركة السريعة، والحركة الاولى، والحركة على خلاف التوالى، والحركة الشرقية، وبعض يسميها الحركة الغربية، وقيل: ما يعم حركته وحركتها الخاصة بهما، وهى حركتهما بواسطة فلكيهما على التوالى من المغرب الى المشرق، هى للقمر اسرع منها للشمس، وقيل: جريهما عبارة عن حركتهما الخاصة بهما.

والأجل المسمى لجرى الشمس اخر السنة المسماة بالسنة الشمسية، وهى زمان مفارقة الشمس، موضعا ما من فلك البروج الى عودها اليه بحركتها الخاصة، ولكن جعلوا ابتداءها من حين حلول الشمس رأس الحمل، وذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما بليلته وربع يوم كذلك وقال بطليموس: ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وخمس ساعات، وست أو خمس وخمسون دقيقة، واثنتا عشرة ثانية، وعند بعض المتأخرين ثلاثمائة وخمس وستون يوما، وخمس ساعات، وست وأربعون دقيقة وأربع وعشرون ثانية.

ولجرى القمر آخر الشهر القمرى، وهو زمان مفارقة القمر، اى وضع يعرض له من الشمس الى عودة، وذلك فى السنة الحقيقية، والشهر الحقيقى، واما السنة الاصطلاحية فاعتبرها بعض كالروم والاقدمين من الفرس ثلاثمائة وخمسة وستين يوما بليلته، وربع يوم كذلك، واخذ الكسر ربعا تاما، الا ان الروم يجعلون ثلاث سنين ثلاثمائة وخمسة وستين، ويكسبون فى الرابعة بيوم، والفرس يكسبون فى مائة وعشرين سنة بشهر، واما الشهر غير الحقيقى فالمعتبر فيه الهلال، ويختلف ما بين زمان الهلالين.

{ وأنَّ الله بما تعْمَلون خَبيرٌ } عطف على ان الله يولج الخ داخل فى حيز الرؤية فمن شاهد الايلاج وما بعده لا يغفل على ان الله احاط علمه بكل شئ.