الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ في بضْع سِنينَ } البضع ما بين الثلاث الى العشر، او ما بين الواحد الى التسع، او ما فوق الخمس الى ما دون العشر، او ما بين العقدين فى جميع الاعداد، روى ان فارس غزوا الروم فغلبوهم فى اذرعات وبصرى، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وهم فى مكة، لان فارس ليسوا اهل كتاب وهم مجوس، وفرح المشركون وقالوا: نظهر عليكم ولسنا باهل كتاب، كما ظهر اخواننا على الروم، فنزلت الاية فقال ابو بكر: لا تفرحوا فوالله ليظهرن الروم على فارس، اخبرنا نبينا بذلك، فكذبه ابى بن خلف فقال له ابو بكر رضى لله عنه: انت الكاذب، تعال اناحبك على عشر قلائص تعطينيها ان غلبت الروم فارس، واعطيكها ان غلبتهم فارس الى ثلاث سنين، والنحب: العطاء.

وحاصله اراهنك بها، فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع " ، فقيل هكذا البضع ابدأ فقيل بدخول التسع، وقيل هذا فى الاية واما مطلقا فما بين العقدين فزايده فى الاجل والقلائص، فجاءه فقال: اندمت يا ابا بكر؟ قال: لا لكن نزيد فجعل الاجل تسع سنين والقلائص مائة، ولما اراد الهجرة طلب منه ابى الكفيل، فكفله ابنه عبدالرحمن، ولما اراد الخروج للقتال لعنه الله، طلب منه عبدالرحمن وهو يومئذ في مكة الكفيل، فاعطاه كفيلا ومات بجرح جرحه النبى صلى الله عليه وسلم، وظهرت الروم فى السنة السابعة.

ويقال يوم الحديبية، واخرج الترمذى يوم بدر، وبه قال ابو سعيد الخدرى، فاخذ الصديق القلائص من ورثة ابى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " تصدق بها " وعن البراء تصدق بها فانها سحت، وذلك قبل تحريم القمار ونزول القتال والسبى، فهى حلال يومئذ قبل النسخ، الا ترى انه صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن المراهنة، بل اثبتها وأمره بالمزايدة، انما امره بالصدق بها تنزيها لمروءة الصديق عنها، وتسميتها سحتا تشبيه لا حقيقة، واسلم كثير من الناس لما صدق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من دلائله.

{ لله } لا لغيره { الأمرُ } القضاء { من قبلُ ومن بعدُ } اذا قيل من قبل الغلبة اى غلبة الفرس للروم، ومن بعدها لم يكن فى الاية الا ذكر ذلك، فالاولى ان المعنى من قبل كون الروم غالبين، وهذه الغلبة وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين، وهذه البعدية وقت كونهم غالبين { ويومئذ } يوم اذ يغلب الروم الفرس، فإذ هنا للاستقبال، ويوم متعلق بما بعده، قدم بطريق الاهتمام بوقت النصر، ويجوز عطفه على قبل او بعد، فتتم الازمنة الثلاثة: الماضى بقبل، والمستقبل ببعد، والحاضر بيومئذ فيستأنف على هذا قوله:

{ يفْرحُ المؤمنُون بنصْر الله } الروم اهل كتاب مثلهم على الفرس لا كتاب لهم كأهل مكة، فيغتاظون، او نصرة تصديق للمؤمنين فى سيغلبون، او القاء الفتنة بين الفرس حتى اعان بعضهم الروم كما مر، كذلك يقال والتحقيق ان المراد نصر الله الروم على فارس، والنصر متصور بذلك على الاطلاق { ينْصُر من يشاء } هؤلاء وغيرهم، وتلك الايام نداولها بين الناس { وهُو العَزيزُ } لا يعجز عن الننصر، ولا يرد نصره شئ { الرَّحيمُ } الرحمة الدنيوية، والكلام عليها، ويجوز العموم باعتبار اهل الاخروية، وهو صفة مبالغة، واما العزيز فصفة مشبهة لا صفة مبالغة، لكن فيها رسوخ وثبوت، كما هو شأن الصفة المشبهة.