الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ فَلَمَّا أَحَسَّ } حصلت له ببعض حواسه المعرفة بكفرهم، أو تحتقاه كالمحسوس المشاهد كذبوه وأرادوا قتله، قيل: اشتد غضبهم عليه حين مر بامرأة تبكى عند قبر فيه ابنتها، فقال لها: ما لك؟ قالت: فى هذا القبر بنتى لا ولد لى سواها، فصلى ركعتين، فدعا، فنادى، يا فلانة، فتحرك القبر، ودعا فانشق، ودعا فخرجت، وقالت: اصبرى يا أماه، ما دعاك إلى أن أموت مرتين يا روح الله، ادع الله أن يوهِّن على الموت، فدعا، فاستوى عليها القبر، وهذا من كلام الله وقيل من كلام الملائكة، وفى الآية استعارة ما وضع لإدراك بإحدى الخمس، وهو الإحساس للعلم، استعارة أصلية واشتق على الاستعارة التبعية، أحس بمعنى علم، ولا يخفى أن ما أحس بإحداهن قد علم ولا بد فاطلق الملزوم وأراد اللازم، فيكون بهذا الاعتبار مجاراً مرسلا، والمعنى على كل حال، فلما علم { عِيسَى مِنْهُمُ } من بنى إسرائيل، اليهود { الْكٌفْرَ } به حتى أرادوا قتله، إذ عرفوا فى التوراة أنه المسيح المبشر به فيها، وأنه ينسخ بعض دينهم، وأظهر دعوته فاشتد عليهم وشرعوا فى إيذائه بقذف أمه كما قذفوها إذ ولدته، فكانوا يقولون ابن الزانية، حاشاهما { قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ } من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله فى نصرى، ينصروننى كما ينصرنى الله، أو ذاهبا إلى مربتة من إقامة دين الله، أو موضع اتجرد فيه لعبادة الله، أو ضامَّا نفسى إلى أولياء الله فى نصرة دينه، ومحاربة عدوه، أو ملتجئاً إلى الله معتصماً به، أو من أنصارى مع الله، أو فى دين الله، أو لله، وإلى متعلق بأنصارى فى جميع الوجوه إلا إذا قدرنا داها، أو ملتجأ فبمحذوف جوازاً لأنه كون خاص، والمفرد نصير كشريف وأشراف { قَالَ الْحَوارِيُّونَ } المفرد حوارى، وهو خالصة الرجل، من الحور، وهو البياض الخالص، والألف زائدة فى النسب، سموا لأنهم ملوك يلبسون البياض، أو قوم يبيضون الثياب للناس بالغسل، أو بشىء اثنا عشر رجلا، استنصر بهم على من عاداه من اليهود، أو لصفاء قلوبهم، أو لما فيهم من نور العبادة { نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ } أنصار أهل الله، أو أنصار دين الله، روى أنه مر بجماعة فيهم شمعون ويعقوب ويوحنا يصطادون السمك ويلبسون الثياب البيض، فقال اتبعونى نصطد الناس للجنة، قالوا: من أنت؟ قال عيسى بن مريم عبد الله وسوله، فطلبوا المعجزة، وكان شمعون قد ألقى شبكته لك الليلة فما صاد شيئا، فأمره عيسى بإلقائها فامتلأت حتى كادت تتمزق، واستعانوا بأهل سفينة أخرى نملأوها فآمنوا، وروى أن ملكا صنع طعاما للناس، وكان عيسى على قصعة يأكل ولا تنقص يأكل الناس، فقال له: من أنت؟ قال: عيسى بن مريم، فترك ملكه وتبعه مع أقاربه، وقيل تبيض الثياب للناس بعد صحبتهم عيسى إذ جاعوا أو عطشوا أخرج لكل واحد رغيفين، أو الماء بضرب الأرض بيده، وقالوا: مَن أفضل منا؟ قال: من يأكل من كسبه، فكانوا يغسلون الثياب بأجرة، وقيل: سلمته أمه لصباغ، فأراد الخروج لهم وعلم له على ثياب بألوان يصبغها بعلامتها، فجعلها فى لون واحد، وقال: كونى بإذن الله كما أريد، ولما رجع أخبره أنه جعلها فى لون واحد، فقال: أفسدت علىَّ ثيابى، قال: فانظرها، فإذا هى على أحسن ألوان، علامتها أحمر وأخضر وأصفر، وهكذا، فأمن هو والحاضرون، وعلى كل قوله هم اثنا عشر، ولا مانع من أن يكون بعض صياداً وبعض مبيضا، وبعض صباغا، سموا مبيضين لصفاء قلوبهم أو لنور العبادة، وفى صحيح البخارى ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم،

السابقالتالي
2