الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ هُنَالِكَ } فى هذا المكان المجازى، وهو ثبوت الرزق لها بلا حساب من الجنة فى غير أوانه، والولد للعجوز أو فى المكان الحقيقى، وهو المحراب إذ دخله، أو الزمان فإن هنا قد يطلق عليه تبيه بولادة العجوز وثبوت الرزق من الجنة، وفواكه فى غير أوانها إلى أن هذا من جملة الأزمان المفتوحة للخوارق، وإلى أن الولد كالثمرة والنبات، وإلى أن الله يقدر أن يرزق له وهو كبير ولدا من امرأة عاقر كبيرة، خرقا للعادة كذلك، وذلك التنبه لا يقتضى الغفلة الخارجية عن منصب النبوة، لأنه تنبه فوق علم وتنبه فى حق خصوص نفسه ولا يعترض قياسا الولد من عاقر إلى الثمار باستبعاده الولادة عند التبشير بها، لأنه نسى هذا القياس باستعظام البشارة، ولأن من أحب حصول شيءى جدا يجب تصوره وأحواله ولو عرفها { دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } كأنه قيل ما دعاؤه، فقال الله { قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيَّبَةً } مباركة صالحة عابدة { إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ } وليس تقديم هنالك للحصر، بل على طريق الاهتمام برتبة الرزق فى غير معتاده، وهذا قابل، لأنه أخر الدعاء إلى السحر أو الجمعة أو نحو ذلك، وروى أنه اغتسل وصلى ودعا جوف الليل، وإن قلنا، هنالك ذلك المكان الحقيقى أو الزمان قلنا دعا فيه، ودعا بعد، فلا حصر، أو التقديم للحصر، باعتبار دعاء دعَا به فى ذلك غير دعاء آخر أخره، وعن الحسن قال، يا رازق مريم ثمار الصيف فى الشتاء وثمار الشتاء فى الصيف، هب لى من لدنك ذرية طيبة، والذرية الطيبة من يستحق من ولده إرث العلم والنبوة وسمع الدعاء إجابته، لأنها من لازم السمع وسببه، واختار لفظ رب إشارة إلى آثار التربية المناسة للولد المطلوب، دعا ثلاثا هده، وإنى وهن العظم منى، ولا تذرنى فردا، وبين كل واحدة والأخرى زمان، وقيل بمرة وفرق فى ذكرها، ويدل على ذلك الفاء فى قوله:

{ فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ } أى جنسهم للصادق بالواحد الذى هو جبريل المنادى، فلو حلفت لتلبسنَّ الثياب لبررت بواحد، أى وصل إليه البداء من جنس الملائكة لا من جنس آخر، وسماه ملائكة تعظيما، أو المراد فناداه بعض الملائكة أو شبه الواحد بالجماعة بجمعه ما لهم من الخصال، أو نادوه كلهم، وهو غير محال، ولو لم يتعارف، أو جبريل بالنطق وغيره بالحضور والرضا، فيكون عَلَى هذا من عموم المجاز { وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى } نفلا، ليدعو عقبه، قيل يصلى يدعو { فِى المِحْرَابِ } محرابه، وقيل محراب مريم، وهو ما مر، أو هوالمسجد أو بمعنى أشرف، وضع فى المسجد، وذكر قائما مع يصلى مبالغة، إذ يكفى ذكر الصلاة، لأنها فى قيام أصالة، ولأن طول القيام أفضل من كثرة الركعات على الصحيح، والجملة حال من المستتر فى قائم، أو خبر ثان، أو حال ثانية { أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } لفظ عجمى عبرانى، وأنت خبير بأن العبرى قريب من العربى، فهو مشعر بالحياة ولو كان لا تصرف له، وقد قيل، اسمه حيا، وزاد الله له حرفا من حروف بسارة زوج إبراهيم، فهى سارة، وهو يحيى، وقيل عربى منفول من المضارع، لأن الله أحيا به عقم أمه، أو لأن الله أحيا قلبه بالإيمان أو بالعلم والحكمة اللذين يؤناهما، أو لأن الله يحيى به الناس من الضلال، أو لأن الله سبحانه علم أنه يموت شهيداً، والشهداء أحياءً عن ربهم يرزقون { مُصَدِّقاً بِكَلِمةٍ مِّنَ اللهِ } هى الإنجيل أو التوراة، أو كلاهما، تسمية للكل باسم الجزء، وقيل.

السابقالتالي
2 3