الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ قُلِ اللَّهُمَّ } منادى، والميم عوض عن أصل حروف النداء، وهو يا، ولكونه حرفين ياء وألف شددت الميم فتكون حرفين، وخصت الميم لشبهها بالواو التى هى حرف علة كثرت زيادتها، وتكون مع الألف حرف نداء فى الندبة، وقلت فى غيرها، ولأنها أخت الياء التى هى بعض يا { مَالِكَ المُلْكِ } كله، يتصرف فى الأشياء بما يشاء، إيجاد وإعداما، وإماتة وإحياء، وتعذيبا وإثابة، وتنبئة وإرسالا، وغير ذلك، على الإطلاق بلا مشاركة، وزعم بعض أنه النبوة، وقيل، المال والعبيد، وقيل، الدنيا والآخرة، وقيل، المعنى مالك الملوك ووراثهم، كما جاء، " أنا الله مالك الملوك، ومالك الملك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدى، فإن العباد أطاعونى جعلهم عليهم رحمة، وإن هم عصونى جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، ولكن توبوا إلىّ أعطفهم عليكم " ، ونصب مالك على النداء، وقيل على التقية لله، إذ محله النصب، وهو قول المبرد والزجاج ويبحث فيه بأن اتصال الميم به شبهه باسم الصوت واسم الفعل، وخالف سائر المركبات التى تنعت كسيبويه فإن حرف البناء فيه قبل الميم وهو الهاء المضمومة، وضمة النداء تشبه حركة الإعراب، قيل، ولو نعت لكان بعد النعت، لأنها عوض حرف النداء، وهو لا يكون وسطاً { تُؤْتِى المُلْكَ } المعهود فى الأذهان، وهو بعض الملك العام، أو تؤتى الملك العام المذكور، أو العام المذكور، أى بعضه { مَن تَشَآء } من عبادك { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ } المعهود في الأذهان، أو العام المذكور، أى بعضه { مِمَّن تَشَآءُ } منهم، قال البيهقى وابن جرير " إنه صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، وأخذوا يحفرون ظهرت فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فجاء، فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدعتها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا فى جوف بيت مظلم، فكبر وكبر معه المسلمون، فقال: أضاءت لى منها قصور الحيرة، كأنها أنياب الكلاب، أى بياضا وصفرة، وانضماما وتمايزا بشرافات، ثم ضرب الثانية فقال، أضاءت لى منها القصور الحمر من أرض الروم، لأنها بالآجرّ، ولقدمها، ثم ضرب الثالثة، فقال أضاءت لى منها قصور صنعاء، وأخبرنى جبريل بأن أمتى ظاهرة عليها كلها فأبشروا " ، فقال الكافرون: ألا تعجبون، يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخيركم أنه يرى من يثرب قصور الحيرة وأنها تفتح لكم، وإنما تحفرون الخندق من الخوف، فنزلت الآية: قل اللهم مالك الملك، وبسطت الحديث فى شرح النونية:
تيمم نجدا فى تلهفه الجانى   يؤم رسول الله للإنس والجان
ولما فتح مكة ذكر أنه سيفتح الله الروم والفرس له، فقال بعض المنافقين: يكفيه مكة والمدينة، وأما فارس والروم فهم أبعد شىء أن ينالهما فقيل: نزلت الآية فى هذا متأخرة عن زمان الحفر، والخندق معرّب كُندة، قيل وأنياب الكلاب ذم لهم وإهانة لما لهم، والمراد بالكافرين المنافقون بإضمار الشرك كما صرح فى رواية بالمنافقين، والمراد بالنزع ترك الإعطاء من أول، كقولك: ضيق فم البئر، أى احفره ضيقا، أو مطلق الترك فيشمل النزع بعد الإعطاء وعدم الإعطاء من أول فهو من عموم المجاز، أو على ظاهره،على أن الملك الثانى النبوة، والرسالة بعض الملك العام، أو معهود ذهنا، والثالث عهد الثانى، أى تنزع النبوة والرسالة من بنى إسرائيل، وتؤتاها العرب، ولا ضعف فى وصف هذا بالنزع والنقل، بل جاء مثله فى أحاديث، أو أريد الترك من أول، نعم إطلاق الملك على النبوة مجاز يجتاج لقرينة تخصها لكن قد فسر بذلك قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3