الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } * { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ }

{ رَبَّنَا } متعلق بتوفنا { وَءَاتِنَا } عطف على توفنا { مَا وَعَدتَّنَا } من الرحمة والفضل والثواب { عَلَى رُسُلِكَ } على ألسنة رسلك، أو على تصديق رسلك والاقتداء بهم، أو منزلا على رسلك، وذلك هو الجنة { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ } سألوا الموعود لأنهم لا يدرون بِمَ يختم لهم، بل لو كانوا على يقين من السعادة، يكون الدعاء تعبداً أو تضرعاً واستزادة من الفضل، ولا سيما ما لا يدرى وقته كالنصر، ففيه ذلك مع الاستعجال، وقد يحسب الإنسان أنه يحسن صنعا ويبدو له عند موته أو فى القيامة ما ليس فى حسابه، فسألوا أن لا يخزيهم أى لا يفضحهم الله تعالى، أى أن يوفقهم ويبقيهم على الخير ظاهراً وباطناً، فذلك حكمة الدعاء بنفى الخزى بعد قوله وآتنا ما وعدتنا، فإن المثاب لا عقاب عليه، فالمدعو به أولا الثواب، وثانياً العصمة مما يحبط العمل، وأيضاً الخزى عذاب للروح، ولا عذاب ولا خزى بعد إيتاء ما وعدوا، بل مما وعدوا عدم الخزى، وذلك تلهف منهم وشدة حرص، كما أنه يجوز أن يراد بالخزى إدخال النار مع أمتهم منها بإيتاء ما وعدوا تلهفاً كذلك، وإنما دعوا مع علمهم بالسعادة تعبدا أو تذللا وخضوعا، كقوله تعالى:رب احكم بالحق } [الأنبياء: 112] أو لأن الوعد لهم على الأعمال، فهم يطلبون التوفيق إليها، أو لأن الموعود النصر، ولا يدرون وقته،فهم يدعون باستعجاله { إِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ } الوعد بالبعث، وإثابة المؤمن، وإجابة الداعى، وفسره ابن عباس بالعبث، أى ليجزوا خيراً، وأصله مطلق الوعد، والمراد هنا الخير، ولا مانع من العموم فى الخير والشر، والذى لهم هو الخير، وهو مصدر ميمى غير مقيس، والياء عن واو للكسر قبلها، قال جعفر الصادق: من حزبَه أمر، أى كَرَبَه، فقال خمس مرات، ربنا، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد، قيل: وكيف ذلك؟ قال اقرأوا، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد. وعن الحسن: ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم كما قال الله جل وعلا، وقال موسى: يا رب مرة، فأجابه الله، لبيك، فعجب فقال: يا رب إلىَّ هذا خاصة؟ قال: لكل من يدعونى بالربوبية، قال عطاء والحسن: ما من أحد يقول ثلاثاً يا رب إلا نظر الله إليه، ونزل فيهم وفى قوله أم سلمة، وهو كالدعاء يا رسول الله، ذكر الله الرجال دون النساء قوله:

{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ } دعاءهم { رَبُّهُمْ } أعطاهم مطلوبهم، وإما أجاب فقد يكون كذلك، وقد يكون بمعنى إعطاءالجواب، كقولك: قد سمعت كلامك، أو سأنظر، أو لا أفعل ما تطلب، فهو أعم من الاستجابة { إنِّى } بأنى، بباء التصوير، أو التعدية، أو السببية أى بسب استمرار صلتى على عدم تضييع الأعمال إلا لمن ضيعها بنفسه كما قال { لآَ أُضَيِعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْْ أُنثَى } متعلق باستجاب، أو بحال محذوف من اسم الله، أو من الهاء، أى مخاطباً لهم بأنى بكسر الطاء أو مخاطبين بفتحها بأنى، ذكر الغالب أو أدخل الخنثى فى أحدهما على أنه عند الله أحدهما لا قسم ثالث { بَعْضُكُم مِّن بَعْضِ } الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، أو كبعض، فأنتم سواء فى الجزاء بالأعمال وترك إضاعتها فإن كون كل من الآخر لتشعبهما من أصل واحد، ولفرط الاتصال بينهما، ولانفاقهما فى الدين والعمل يستدعى الشركة والاتحاد فى الجزاء وترك الإضاعة { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } ما كانوا فيه، بلد، وشرك وأحباء، وأقارب، وأصهار لوجه الله إلى المدينة، دار السلام، وأهله، وإلى الحبشة، وأصل الهجرة الترك والإعراض { وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ } بالتضييق عليهم، لا قهراً على الخروج، وهذا أولى من كونه تفسيراً لهاجروا { وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى } راجع إلى أوذوا، وإلى إخرجوا، وإلى هاجروا، شبه التضييق بنحو الشتم بالإخراج لجامع الضرر وسماه إخراجا استعارة أصلية، واشتق منه أخرج على التبعية { وَقَاتِلُوا } من كفر بالله { وَقُتِلُوا } فى سبيل الله، وقدم الأول لا للترقى، لأن القتال قبل المقتولية، ولأن كونك قاتلا لكافر أفضل من كونك مقتوله، وقد قتل صلى الله عليه وسلم رجلا كافراً ولم يقتل، والكلام على التوزيع، لأن منهم من قاتل ولم يقتله المشركون، ومنهم من أخرج ولم يقاتل، ومنهم من هاجر ولم يقاتل، ومنهم من قاتل ولم يهاجر { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } لا أعاقبهم عليها، فلا يرى لها أثر عقاب، فذلك تكفيرها، أى سترها، أو لأمحونها من اللوح المحفوظ، ومن صحفهم، ومن حفظ الملائكة، ودواوينهم، ويكتب بدلها حسنات، والصغائر تغفر باجتناب الكبائر لقوله تعالى

السابقالتالي
2