الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ }

{ رَّبَّنَآ إنْنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً } عظيما كما يفيده التنكير، أى نداء مناد، وهو الرسول، كقولهادع إلى سبيل ربك } [النحل: 125]، وقوله:وداعياً إلى الله } [الأحزاب: 46]، ودعاؤه حقيقة، ومن لم يسمع من النبى فى زمانه أو بعده يصح له أن يقول سمعناه على المجاز، بوسائط الرواة إليه وشهرت نسبة الدعاء إليه ما لم تشتهر إلى القرآن وقيل القرآن لأنه كالناطق للفهم منه، وقد سماه صلى الله عليه وسلم ناطقا إذ قال " تركت فيكم ناطقاً وصامتاً " ، وهو مستمر فى الزمان، قال بعض:
تُنَادِيكَ أَجْدَاثٌ وَهُنَّ صُمُوتُ   وَسُكَّانُهَا تَحْتَ التُّرَابِ سُكُوتُ
وقيل مطلق الداعى، فيشمل الرسول والصحابة وزاده تفخيما بإبهامه ثم تخصيصه بقوله { يُنَادِى لِلإيَمانِ } وجملة المسموع بعد ذكر القائل مفعول ثان عند الفارسى وحال مما يصح الحال منه، أو نعت لما لا يصح الحال منه عند الجمهور، وهنا نعت منادياً، ذكر النداء مطلقاً، وذكره مقيداً بالإيمان تفخيماً للمنادى ولا منادى اسم من منادى الإيمان، وبهذا القيد خرج عن التكرير، فإن النداء يكون للإيمان ولهم ما، واللام للاستحقاق أو الاختصاص، وقيل للتعليل، وقيل بمعنى الباء، وقيل بمعنى إلى { أنْ ءَامِنُوا بِرَبّكُمْ } بأن آمنوا، أو تفسير لينادى لا مصدرية على تقدير الباء لأن آمنوا طلب وهو يفوت بالمصدر وتقديره فى المصدر تكلف { فَأَمَنَّا } بربنا { رَبَّنَا } توكيد لقوله ربنا، أو يقدر تقبل إيماننا ربنا، قال ابن عباس رب اسم الله الأكبر { فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } كبائرنا بتوفيقك إيانا إلى التوبة منها والتخلص من تبعاتها برد التباعات وأداء الكفارات، وهو مأخوذ من الذُّنوب، وهو الدلو الملآن، فناسب الكبائر وكذا إن قلنا من الذنب بمعنى الذيل، فهو فيما له عاقبة وتبعته { وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِئَاتِنَا } صغائرنا باجتناب الكبائر والتوبة من الكبائر، وهى من السوء بمعنى القبح، وهو دون الكفر أو أعم، وقيل الذنب ما مضى والسيئة ما يأتى، وقيل الذنب ما عمل على علم بأنه لا يجوز، والسيئة ماعمل على جهل، والقول باطل،إلا إن أريد به خصوص الآية وفى كل من الغفران والتكفير ستر، والدرع مغفر، لأنه سائر للبدن { وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ } حال كوننا عابدين عبادتهم صافين صفوهم، فنعد منهم، أو اجعلنا مثلهم ولو لم نصل رتبتهم فى ذلك، وذلك مع الفاصلة لم يقولوا وتوفنا أبراراً، والمفرد بر، كأرباب جمع رب، وليس المراد طلب الموت فى حينهم حتى يستحضر هنا، من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، بل طلبوا أن يكونوا حال الموت من الأبرار، يروى أن الأبرار يروا الآباء، والأولاد زيادة على أداء الواجبات والسنن، وأن الأبرار لا يضمرون الشر ولا يؤذون الذر.