الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ إنَّ الَّذِينَ تَوَلُّوا مِنكُمْ } انهزموا أو رجعوا إلى المدينة { يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ } النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه جمع، والمشركون جمع يوم أحد { إنَّمَا اسْتَزَلَهُمُ } طلب بالوسوسة منهم الزلل بالانهزام وبترك المركز والحرص على الغنيمة، وبذكر ذنوب سبقت، كرهوا أن يلقوا الله بها قبل أداء تبعتها { الشَّيْطَانْ } جنس الشيطان، إبليس وغيره { بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } من الذنوب، فإن الذنب يحر ذنبا، ويعاقب المذنب بالذنب الآخر، وهذا البعض هو عين الذين زلوا به عن الدين، وهو الانهزام وترك المركز، والحرص على الغنيمة، أو ذنوب سبقت كرهوا الموت قبل التخلص منها أدتهم إلى الانهزام، وسوس إليهم بها الشيطان، وما ذكر معه، والحصر إنما يكون للآخر، أى ما أزلهما إلا ببعض ما كسبوا، ويجوز أن يكون للشيطان، فيكون قوله ببعض ما كسبوا تبعا له، لا مقصوداً بالذات { وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنهُمْ } لتوبتهم واعتذارهم، ليس العفو والرحمة للآخرة مع الإصرار حكمة، فحيث أطلقا قيدا بالتوبة، لئلا يكون الخروج عن الحكمة، فإن كان العفو عدم عقاب الدنيا شمل أبيَّا ومن معه { إنَّ اللهَ غَفُورٌ } لذنوب، التائبين { حَلِيمٌ } لا يعجل بالعقوبة توسعة لهم ليتوبوا، زيادة فى الإعذار، مع أنه لا يفوته عذاب المصر ولا موت أحد لأجله، بل يذهب إلى موضع موته فى غفلته، أو قصده الهروب عنه، بقى معه صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا، وقيل ثلاثة عشر خمسة من المهاجرين: أبو بكر، وعمر وعلىّ، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وروى أنه نظر ملك الموت نظرة هائلة إلى رجل فى مجلس سليمان بن داود عليه السلام، فقال الرجل لسليمان: من هذا الرجل الذى شد نظره إلىَّ؟ فقال: هو ملك الموت، فقال: أرسلنى مع الربح إلى عالم آخر، فألقته فى قطر سحيق، فما لبث أن عاد ملك الموت إلى سليمان، فقال: كنت أمرت بقبض ذلك الرجل فى هذه الساعة فى أرض كذا، ويروى فى أرض الهند، فلما وجدته فى مجلسك قلت متى يصلها، وقد أوصلته الريح فوجدته فيها فقضى الله أمره فى زمانه ومكانه، ويروى أنه تعجب بوجوده عند سليمان وقد أمر بقبضه فى أرض بعيدة، فقال له: مر الريح تحمله إليها، ففعل، ويجمع بأنه سأله الملك لإنقاذ القضاء وسأله الرجل هروباً من الموت غير سامع لسؤال ملك الموت.