الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }

{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ } تتمنون لقاء الموت، أى الحرب، سماها موتاً لأنها سبب، أى الموت بالشهادة والخطاب للذين لم يشهدوا بدراً وتمنوا أن يشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حرباً لينالوا ما نال شهداء بدر، وألحوا فى الخروج إلى أحد مع كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر، وليس فى ذلك إعانة أهل الشرك، لأن القصد نيل الثواب لا غلبتهم، مع أن موت بعض قليل ليس غلبة، وقد تمنى عبد الله بن رواحة أن يموت شهيداً، أو لم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً كل من تمنى أن يموت شهيداً يحب أن ينصر الله عز وجل دينه ويحفظ أهله { مِنْ قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } تشاهدوا شدته { فَقَدْ رَأَيْتُموهُ } أى شاهدتم الموت فى أصحابكم، أو شاهدتم الحرب بسيوفها ورماحها من عدوكم وجبنتم وانهزمتم مع أنكم السبب فى تهييجها، ولم تصدقوا فى دعواكم، ولا سيما مجرد تمنى للشهادة، فإنه لا يجوز لأن فيها غلبة الكفرة، بل يسأل الإنسان الظفر على العدو والنجاة لنفع الإسلام بعد، فإن قتل فشهادة رزقها، يصبر لها، فالآية توبيخ لهم عَلَى مَا ذكر، وعَلَى الإلحاح، ومقتضى الظاهر فقد لقيتموه، لكن ذكر الرؤية تلويحاً بأنهم كمن رآه وها به ولم يدخله، أو للمبالغة فى أنهم شاهدوه { وَأنتُمْ تَنظُرُونَ } حال مؤكدة لرأيتموه، مبينة أن الرؤية بصرية، كقولك رأيته وليس فى عينى علة، أو الرؤية علمية، والنظر بصرى، أو تنظرون محمداً صلى الله عليه وسلم، أو تتأملون كيف الحرب، فالجملة حال مؤسسة، ولما نودى فى هزيمة أحد، أن محمداً قد قتل فشل كثير من المسلمين وهربوا، كما مر وقال المنافقون، بعض لبعض: إن قتل محمد فارجعوا إلى دينكم فرجع بعض، وفى ذلك نزل قوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ } لا يتجاوز الرسالة إلى الألوهية، فتترك العبادة لموته، ولا إلى الحياة أبداً بل يموت كما مات الرسل بقتل أو بغيره، كما قال { قَدْ خَلَتْ } مضت بالموت { مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } وذلك قصر إفراد، وله وجه آخر، هو كأنهم اعتقدوا له الرسالة والبعد عن الموت، فقصر عَلَى الرسالة، فيكون قد خلت مستأنفاً، ولا يلزم من وقوع الجملة بعد النكرة أن تكون نعتاً لها، وأيضاً يجوز أن تكون نعتاً لرسول مؤكداً؛ لأن عدم انتفاء الموت معلوم من حصره على الرسالة، أو قصر قلب إذ توهموا أنه لا يجب البقاء على دينه بعد موته، وهذا القصر منصب على النعت، وهو قد خلت، أما المنافقون فقالوا، لو كان رسولا لم يمت ألبتة، أو لم يمت بالقتل، وكلاهما توهم بعيد وأما ضعفاء المسلمين فضعفت قلوبهم بموته وكأنهم استبعدوا موته فى الوقعة، ولما قيل بموته فت فى عضدهم، والآية فيهم لا فى المنافقين لقوله: " فإن مات.

السابقالتالي
2