الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ قَدْ كَانَ لكُمْ } أيها الكفار مطلقا، أو يهود المدينة القائلون، لا يغرنك أن قتلت نفراً...الخ، وذلك مستأنف، أو من القول المذكور في الآية، أو يا أيها المؤمنون، فيكون مستأنفا لكن لم يتقدم ذكرهم { ءايَةٌ } عبرة أو دلالة على صدق ما قلت لكم، ستغلبون، أفلا تعتبرون فتؤمنوا، وثباتا للمؤمنين على الإيمان وزيادة، لأن ذلك معجرة { فِى فِئَتْينِ الْتَقَتمَا } يوم بدر للقتال { فِئَةٌ } مؤمنة { تُقْاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ } لم يقل فئة مؤمنه كما قال وأخرى كافرة رمزا لهم بما يليق بالمقام، ولأن إخلاص القتال في الله ما هو إلا نتيجة الإيمان، وهم النبى وأصحابه، سبعة وسبعون من المهاجرين، رأيتهم مع على، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، رأيتهم مع سعد بن عبادة، استشهد من المهاجرين ستة، ومن الأنصار ثمانية، ومعهم فرس للمقداد بن عمر، وفرس لمرثد بن أبى مرثد، وسبعون بعيرا يتعاقبون عليها وسبعة أذرع، وثمانية أسيف، وبسطت ذلك في هميان الزاد، وأشد البسط في شرحى على نونية المديح، وسميت الجماعة فئة لأنه يفاء إليها عند الشدة، أى يرجع { وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } بالله، تقاتل في سبيل الشيطان، رئيسهم عتبة بن ربيعة، وفيهم أبو جهل، ولم يذكرهم بالقتال لضعف قتالهم، للذل، وأنه كلا قتال في عدم النفع { يَرَوْنَهُم } الخطاب للمسلمين الذين لم يحضروا بدراً والهاء للمشركين الحاضرين { مِّثْلَيْهِمْ } الهاء للمسلمين الحاضرين بدراً، والرؤية علمية، شبهت برؤية البصر، كما قال { رَأْيَ الْعَيْنِ } أو الهاء، أن للمسلمين الحاضرين على طريق الالتفات إلى الغيبة، والأصل مثلكم، وهو جائز ولو في جلمة واحدة، أو ترونكم أيها المشركون، أى ترون أنفسكم، فاغتاب فى موضع الخطاب، أى مثلى المسلمين، والرؤية فى الوجهين بصرية؛ والخطاب للمشركين الحاضرين ولم يقتلوا، أو اليهود، أو لهم ولسائر المشركين الذين لم يحضروا فالرؤية علمية، وقد قيل: حضر اليهود ولم يقاتلوا فالرؤية بصرية، وقد مر أن المسلمين ثلاثمائة وثلاث عشر، فالمشركون ستمائة وستة وعشرون، وعن الفراء مثليهم معهم، فهم ثلاثمائة وثلاث عشر ثلاث مرات، ومع رؤية المسلمين أنفسهم أو المشركين واليهود، أن المسلمين نصف المشركين، كان المسلمون غالبين، فاعتبروا أيها اليهود والمشركون وآمنوا ويأيها المؤمنون وازدادوا إيمانا، وشهد أن المشركين نحو ألف، فنقول ازداد المشركون بعد الرؤية، أو أراهم الله إياهم فى عدد أكثر مما هم عليه، وأقل مما المشركون عليه في نفس الأمر، أو أراد بالمثلين مطلق الكثرة، وقد قلل الله الكفار فى أعين المسلمين كأنهم مائة أو سبعون مع أنهم ألف أو أكثر، أو تسعمائة وخمسون، معهم مائة فارس وسبعمائة بعير وسلاح ودروع لا تحصى، لئلا يجبنوا، وعن سعيد بن أوس، أنه أَسر المشركون مسلما، فسألوه، كم أنتم؟ فقال: ثلاثمائة، وبضعة عشر قالوا: ما نراكم إلا تضعفون علينا، وأَرادوا أَلفا وتسعمائة، وهو المراد من مثليهم، كذا قيل، وعن ابن مسعود، رأيناهم يضعغون علينا، ثم رأيناهم ما زادوا علينا رجلا واحدا، ثم قلت لرجل إلى جنبى، تراهم سبعين، قال، مائة، وقلنا لأسير، كم أنتم؟ قال، ألف، وقلل عز وجل المسلمين في أعين الكفار، ليقوموا ويلتحم القتال، ولما التحم أراهم أن المشركين مثلاهم، وزادهم الله قوة، فقاوموهم، وهم كالثلث من المشركين، وقد كلفوا أن يقاوم مسلم عشرة رجال من الكفار، ثم خفف إلى واحد لاثنين، ووعدهم، أن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين { وَاللهُ يُؤيِّدُ } يقوى { بنَصْرِهِ مَن يَشَآء } نصره، كما أيد أهل بدر وغلبوا أضعافهم، وبنصر من يشاء ولو بدون أسباب عادية { إنَّ فِى ذَلِكَ } أى فيما ذكر من رؤية القليل كثيرا، وغلبة قليل السلاح وضعيفه لكثيره وقويه، المعلومة من قوله، { يؤيد بنصره من يشاء } ، ورأى العين مفعول مطلق، والرؤية الأولى بصرية أيضا فمثلى حال، أو علمية فرأى العين مفعول مطلق تشبيهى، أى كرأى العين، ومثلى مفعول ثان { لَعِبْرَةً } عظة، من العبور، وهو النفوذ من جانب لأخر، إذ ينتقل عن الجهل إلى العلم بالعظة، تعبيرا بالمحسوس عن المعقول { لأِوْلَِى الأَبْصَارِ } القوات القلبية الموصلة إلى اتباع الحق الشبيهة بأبصار الوجوه الموصلة إلى المصالح أفلا تعتبرون فتؤمنوا، أو بأبصار الوجه، أى لعبرة لمن شاهدهم.