الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ وَ إذْ غَدَوْتَ } اذكر لنفسك وأصحابك، لأجل ماترتب على غدوك، أو اذكر الحادث إذ غدوت { مِْن أَهْلِكَ } أهل المدينة، الأوس والخزرج، أمره بالذكر ليعلم أصحابه عاقبة الصبر وسوء المخالفة إذ خالفوك فاشتغلوا بطلب الغنائم، وقد أمرتهم ألا يبرحوا فى ثغر أُحد، وظنوا الأمر كأمر بدر، وإنما نصروا يوم بدر وغنموا ببركة صبرهم وطاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف يوم أُحد فخالفوه أمره، فكان القتل والأسر فيهم، فهذا تقرير لقوله:وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } [آل عمران: 120]، فإن لم يصبروا وخالفوا أمرك نصر عليهم العدو، وتقرير لقوله:لا تتخذوا بطانة من دونكم } [آل عمران: 118]، فإن عبد الله بن أُبىّ بن سلول انخذل بثلاثمائة عمداً لخذلان المسلمين، والمراد بالغدو مطلق الذهاب، استعمالا للمقيد فى المطلق، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعد أن صلى الجمعة لا أول النهار، وسلول أم عبد الله ابن أُبى لأجد له، فهو مكتوب ابن سلول بالألف وتنوين أُبىّ، ويجوز أن يكون الغدو على ظاهره، وأصله من بات معه خارجا، فإنه خرج من بيت عائشة على رجليه بعد صلاة الجمعة، وقد أقام المشركون الأربعاء والخميس، وبات ليلة السبت سابع شوال أو خامس عشر، سنة ثلاث عند بعض، فى شعب أخذ، على أقل من فرسخ من المدينة، ولما أصبح غدا ينزل أصحابه فى منازل القتال، كما قال { تُبوِّىءُ المُؤمِنِينَ } تنزلهم { مَقاعِدَ لِلقَتَالِ } مراكز له، شبهها بمواضع القعود مبالغة فى ملازمتها، وعدم التخلف عنها. خرج صلى الله عليه وسلم بألف، وقيل: بتسعمائة وخمسين رجلا، والمشركون ثلاثة آلاف، وفيهم مائتا فرس، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد فى عدوة الوادى، وسوى صفوفهم، وأجلس جيشاً رماة خمسين رجلا، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، وكان معلماً بثياب بيض، بسفح الجبل، وقال: انضحوا عنا بالنبل، لا يأتونا من ورائنا، ولا تبرحوا، ولو رأيتم الطير تخطفنا، أو رأيتمونا غانمين، وإذا عاينوكم وولوا الأدبار فلا تتبعوهم، ولما بلغ عبد الله ابن أُبىّ موضعاً يسمى الشوط رجع بثلاثمائة، وتبعهم أبو جابر السلمى، يقول: أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم، وبقى المسلمون سبعمائة أو ستمائة وخمسين، وهزموا المشركين، ولما ترك الجيش الرماة مركزهم وأكبوا على الغنيمة خرج عليهم خالد مع كمينه، واجتمع إليه من تفرق من المشركين، فهرب المسلمون، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سبعة من الأنصار ورجلان من قريش فى رواية، أو اثنا عشر أو ثلاثون، وبسطت قصة أُحد فى شرح النونية: تيمم نجدا فى تلهفة الجانى وقصد الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشجوا رأسه، وكسروا رباعيته، وثبت معه طلحة، ووقاه بيده فشلت إصبعيه، وجرح فى أربعة وعشرين موضعاً، وغشى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمله طلحة ورجع به، وكلما أدركه مشرك وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل حتى أوصله موضعاً فيه جملة من الصحابة، ولم يفر أبو بكر ولا عمر ولا على ونحوهم، ولكن كانوا فى موضع غير موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيح أن محمداً قتل، وكان فى جملة من معه رجل من الأنصار، يكنى أبا سفيان، فنادى، هذا رسول الله، فرجع إليه المهاجرون والأنصار، وقد قتل منهم سبعون وأسر سبعون، وكثر الجراح، فقال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2