الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ كُنتُمْ } الخطاب للأمة كلها، أمة الإجابة، كما قال عمر رضى الله عنه، من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شكر الله تعالى، يعنى قوله تعالى، تأمرون الخ، فإما أن يريد تلك الآية عمت، وإما أن يريد خصت الصحابة، كما قيل أو المهاجرين وأن غيرهم فى حكمهم، وكذا إذا قيل إنها فى أهل البيت، أو قيل فى عمار ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل، والصحيح الأول، الحديث: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد وجعل لى التراب طهوراً، وجعلت أُمتي خير أمة " ، والمراد كنتم فى علم الله، أو فى اللوح، أو بين الأمم، أو فى كتب الله السابقة، لا ما قيل، إنَّ كان مقحم، وأن الأصل أنتم خير أمة، ولا ما قيل أنها لا تدل على عدم سابق أو لاحق، ولو رجح فى نحو هذا المقام، وأما كان الله غفوراً رحيما فمعناه كان فى الأزل أو فى اللوح أو نحو ذلك، وما قضى الله لا بد منه فتكون هذه الأمة فى زمانها خير أمة كما قال { خَيْرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ } خلقها الله من العدم، الجملة نعت لأمة، وهو أولى لقربه ومناسبة اللفظ، وإن جعلت نعتاً لخير فلوقوعه على أمة ساغ تأنيثه { لِلنَّاسِ } لنفعهم متعلق بأخرجت، أو نعت لأمة، وذكر علة الخبرية بقوله { تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنونَ باللهِ } بجميع ما يجب الإيمان به، فمن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر مع القدرة فقد أضاع دينه، ولو يم يكن له فضل الأمة، وكأنه من غير أمة الإجابة والأمر والنهى ولو كانا فى الأمم لكنهما فى هذه الأمة أقوى، لأنه باللسان والبراءة الحبس والتغرير والنكال والأدب والقتال والهجران، ومنع أمور عن ذى المنكر، وعدم قبول معروف لبعض أهل المنكر، وآخر الإيمان مع أنه أولى بالتقديم لذاته، وأنه لا يقبل عمل بدونه ليشير إلى أنه علة الأمر والنهى، ولشركة الأمم فيه، ولو أمرت الأمة كلها بشىء أو نهت عنه كان إجماعا وحجة لهذه الآية روى: " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم كبيركم ولا يرحم صغيركم، ويدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون " { وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الكِتَابِ } اليهود { لَكَانَ } إيمانهم { خَيْراً لَّهُمْ } نفعاً أو أفضل من كفرهم، وذلك أن كفرهم يدعوهم حسناً، كإنكارهم النبى وصفاته والقرآن، وأخذ الرشا على ذلك، وعَلَى زعمهم يكون الإيمان بمحمد أحسن، وذلك أن الإيمان فى الآية هو الإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء كالأمر والنهى، فإن الإيمان التام يكون أفضل لو علموا { مِّنهُمْ المُؤْمِنُونَ } بالتوراة كلها والأنبياء كلهم، والكتب كلها قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء آمنوا به وبكتابه كعبد الله بن سلام، وأخيه، وثعلبة ابن شعبة، وكعب الأحبار والنجاشى، أو كفروا قبله وآمنوا حين جاء { وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ } فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، وكثر إسلام النصارى بعده، وقل إسلام اليهود.