الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ مَثلُ } صفة او شبه { الَّذين اتخذوا مِن دُون الله أولياء } حيوانا او جمادا للعبادة او دونها، يعتمدون عليها ممن ذكر وغيرهم { كَمثَل } صفة او شبه { العنْكَبَوُت اتَّخذتْ بيتاً } فى مجرد الحقارة والضعف، وليس المراد المساواة من كل وجه، فان بيت العنكبوت ينفعها، وذكر ايضاً من الادوية ونفع شئ شيئا اخر استقلالا عن الله سبحانه لا يتصور، فاتخاذهم اولياء من دون الله باطل بخلاف اتخاذ المؤمن الله وليا، فانه اعظم من اتخاذ بيت من حجر وجص، او بيت منحوت فى جبل، وجملة اتخذت نعت العنكبوت، ولو قرن بال لانها للجنس، فجاز نعته بالجملة، لان كالنكرة لا حال الا على قول مجيز الحال من المضاف اليه بلا شرط، والعنكبوت مفرد يؤنث ولا يعارض افراده بقوله: { الذين } لجواز تشبيه جماعة بواحد، بل قد علمت ان المراد بالعنكبوت الجنس ونونه زائدة كواوه وتائه يجمع على عناكب، لجواز الجمع بالزائد وهو مطرد كفتاح ومفاتيح، وجمعه على عكاب يدل على زيادتها، وكذا قول سيبويه فى موضع من كتابه وزن عناكب، فناعل نص فى زيادتها، لكن قال فى موضع آخر وزنه فعالل، فهذا نص فى اصالتها، ولعل ذلك احتمالان عنده او لغتان فى اصالتها وزيادتها، والظاهر الزيادة من العكب، وهو الغلظ او شدة السير، فانه يشتد فى وثوبه الى الذباب وفى فراره.

{ وإنَّ أوْهَنَ البيُوت لَبيتُ العَنْكبوت } هذه الجملة حال من ضمير اتخذت، وفى مراسل ابى داود، عن يزيد بنى مرتد، عنه صلى الله عليه وسلم: " العنكبوت شيطان مسخها الله ومن وجدها فليقتلها " وهو ضعيف مناف لرواية على عنه صلى الله عليه وسلم: " دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبدت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن " وفى هذا الحديث ان العنكبوت اسم جمع، ولعل المراد بحديث قتلها عنكبوت اخر ذو سم يحفر فى الارض، ويخرج فى الليل، ونسج العنكبوت طاهر، والاصل الطهارة، سواء من فيه كما هو الظاهر او جلده، والمشاهد انه من فيه،، وانه يدور به من فيه فى بعض الاحيان على ذباب، فيربطه به، او بيت العنكبوت دينهم.

{ لوْ كانُوا يعْلمُون } شيئاً من دين الله لعلموا ما ذكرنا من ان دينهم كنسيج العنكبوت، او مبالغة فى استجهالهم، حتى كأنهم لم يعلموا شيئا ما، ولو علموه لعلموا ما ذكر او اغنى ما مر عن جوابها، لان ما قبلها بمنزلة ان الامر ظاهر لهم، لا يخفى لو كانوا يعلمون، او لو للتمنى، والله منزه عنه، والرسول والمؤمنون لا يتمنون لهم العلم، بل يلعنونهم، ولكن على معنى انهم بصورة من يتمنى له، او يراد بتمنيهم حب ان يعلموا، والرغبة فيه.