الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ ولُوطاً } عطف على ابراهيم او نوحاً { إذْ قال لقَوْمه } تقدم مثله { إنكم لتأتون الفاحشة } الفعلة القبيحة جداً { ما سبقكم بها } على ظاهره او بمعنى فيها { من أحدٍ } فاعل، ومن صلة لتأكيد العموم { من العالمين } يستقبحها كل احد، والجملة حال من الفاحشة او من واو تأتون، أى مبتدعة او مبتدعين، وفسر اتيان الفاحشة مع التوبيخ بقوله:

{ أئنكم لتأتون الرَّجال } الذكور صغاراً وكباراً استعمالاً للخاص في العام { وتقطعُون السَّبيل } سبيل الولادة، لان الاتيان في الدبر لا يحمل، ولو فى ادبار الاناث، فكيف بادبار الذكور، لان الدبر يوصل الى محل الطعام لا الى محل الحمل، او تقطعون السبيل في الارض بأن لا يأتيكم الناس لكراهة ان تفعلوا بهم، وقيل لا يأتيكم الناس لقبحكم بذلك، او بالقتل واخذ المال { وتأتون في نادِيكُم } في مجلسكم الممتلئ بالناس { المُنْكر } كاللواط فى محضرهم الغريب، ولبعض مع بعض، والضرط فيه، وحل الازار، ولا حياء لهم، وعن ام هانئ بنت ابى طالب، عنه صلى الله عليه وسلم: " يحذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم " رواه احمد والترمذى والطبرانى والحاكم والبيهقى، يرمون ابن السبيل بالحصى، فمن اصابته حصاته جامعه واخذ ماله، وقيل: يغرمه ثلاثة دراهم ويجامعه، ويأخذ ما معه ايضاً، وعن ابن عباس: الرمى بالحصى والبنادق، وفرقعة الاصابع، ومضغ العلك والسواك بين الناس، وحل الازار والسب والفحش بالمزاح، والضرط والتصافع، وعن مجاهد لعب الحمام وتطريف الاصابع بالحناء، والصفير والحذف بالحصى، ونبذ الحياء فى جميع امورهم، ولم يات عن لوط انه دعاهم الى الاسلام لانهم من قوم ابراهيم، وقد كفاه فى ذلك.

{ فَما كانَ جَوابَ قَوْمه إلاَّ أن قالوا ائتنا بعَذَاب الله إنْ كنْتَ من الصادقين } فى دعوى النبوة، وفى تقبيح اللواط وتحريمه، والعذاب عليه، فانه يذكر لهم العذاب والتحريم ولو فى اول مجيئه اليهم للنهى، ولا يتنافى هذا الحصر والذي فى قوله:إلاَّ أنْ قالوا أخرجوهم } [الأعراف: 82] والذى فى قوله:إلاَّ أنْ قالوا أخرجوا آل لوط } [النمل: 56] لان الحصر فيهن اضافى، اى قالوا تلك الاقوال دون ان يذعنوا او يلينوا بشئ، وهذا اولى من ان يقال: ما هنا عن كبارهم، والآخران عن غير كبارهم، أو بالعكس، ومن ان يقال: جوابهم إذ نصحهم وغيره جوابهم فيما بينهم، إذ تشاوروا، وقد بلغوا هذا الجواب كما هو ظاهر الآية، ومن ان يقال ما هنا اول الوعظ كذبوه وسخروا به، والآخران انتقام منه إذ عاودهم، ولا يبيح الله سبحانه وتعالى لواط الولدان في الجنة، ولا ادبار النساء، ولا يخطئ الله في قلوبهم ان يحبوا ذلك فيجابوا لقبحه عقلا وشرعا، وابيحت خمر الجنة، لانها لا تسكر، بل قال ابن العربى لا ادبار لاهل الجنة، لانها لخروج الفضلة والريح، وليسا فيها، واخطأ من اجاز ذلك من قومنا، وأقول لعل لهم ادبار لكمال الخلقة لا لذلك.