الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ قُلْ } يا محمد لقومك، وزعم بعض ان التقدير قال الله لابراهيم: قل لقومك { سيروا } سيحوا لتعتبروا { في الارض } بأرجلكم او بالركوب، واجيز ان يكون سيروا بقلوبكم سير تفكر لا انتقال جسم، كما ان الانبياء في الارض، وقلوبهم جائلة في الملكوت { فانْظُروا كَيفَ بدأ الخَلْق } على اختلاف بالاجناس والأطوال والاعراض والالوان، والصحة والضعف والطبائع وغير ذلك، وهذه لكيفية غير الكيفية السابقة التي هي بالمادة وغير المادة في قوله:كيف يُبدئ الله الخلق ثم يعيده } [العنكبوت: 19] والمضارع هنالك للتجدد او الاستحضار ما مضى كانه حاضر، لما لا يخفى من ان ابداء الشئ بعد عدمه، اغرب في القدرة من جعله أطواراً مختلفة، كما اشار الى تلك الغرابة بغرابة اللفظ، وهو يبدئ مضارع ابدأَ، فان الاشهر بدأ يبدأ الثلاثي، لكن المناسبة يعيد الرباعى، كما حذف ياء يسرى حذفاً غريباً مناسباً لسريان الليل في الغرابة، ومن ذلك الجنس كتابة الف ابن بين علمين اذا كان اول السطر، كما ينطق به همزة اذا ابتدئ به نطقاً، او وجه التغاير ان الابداء هنالك علمى على ما مر والبدء هنا عينيى، او هنالك نفسى، وهنا افقى.

{ ثُمَّ الله } لم يقل هو لمزيد التاكيد { ينشئ النشأة الآخرة } يحدثكم الاحداثة الاخرة وهى البعث، والاولى هي الخلقة الاولى، والابداء والاعادة كلاهما اخراج من العدم الى الوجود، والاولى دليل على الثانية كيف يحكم باستحالة الثانية عقلا من يقر بالاولى، كما حكم بعض الكفار او كيف يستبعدها، كما اجازها بعض الكفار، واستبعدها بل قد خلق اشياء لا من شئ، ولا فرق بين خلق الشئ لا من شئ، وبين رد ما فنى، واما ما كان من شئ فاولى لبادئ الرأي كما ان رد ما كان لبادئ الرأي اسهل، والكل عند الله سواء، واحتج الله تعالى بذلك في قوله:يا أيها الناس إنْ كنتم في ريب من البعث } [الحج: 5] وما بقى يخلق الله فيه الروح، وما فنى كله يرد كله، ويخلق فيه الروح، وما فنى بعضه وبقى بعضه، يرده الله فيه ما فنى ويخلق الروح فى الكل، كما شاهد في حمار الرجل الذي مر على قرية.

وزعم بعض ان ما فنى من بعض او كل يد الله مثله لا نفسه، ولم يصح عند اصحابنا حديث البخارى ومسلم ان كل ابن آدم يفنى الاعجم الذنب، فانه يبقى، ومنه يبنى، وكذا تأوله بعض قومنا، وأطال ولا بأس به الا ان زعم احد انه لا يقدر على انشائه الا بذلك فقد اشرك والنشأة مفعول مطلق قائم مقام الانشاءة، والعطف على سيروا عطف اخبار على انشاء لجوازه اجماعاً فيما فيه القول لا على بدأ، لانه سلط عليه النظر، والنظر بالعين لا بتصور في البعث من الآن، والنظر بمعنى العلم لا يتصور في البعث، بل في دليله { إنَّ الله على كل شئ قدير } لا يعجزه ممكن ولا يصعب عليه.