الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ وقال فرْعَون } فى جمع جمعه بعد كلام موسى وعجزه عن معارضته { يا أيَّها الملأ ما عَلمتُ لكم من إلهٍ غَيْرى } لو كان لعلمته وما يقوله موسى لا يصح، وسأفحص فيما يقول من أن له إلها، فيتبين بطلانه، أو إن كان فما علمته، وهذا مقنع لقومه، أو ما كان فى الأزمنة الماضية، وإن حدث لم أدر به { فأوْقِد لى يا هامان على الطِّين } أو قد النار على قوالب الطِّين لتتحجر، فتكون آجراً، وهذا الإسناد الطلبى عقلى أو سببى، لأن هامان آمر للجند بالإيقاد لا موقد.

{ فاجْعَل لى } منه { صَرْحاً } بناء صريحا أصل به الى حيث كان إله موسى إن صح { لعلِّى أطَّلعُ } الافتعال للمبالغة لا كالمجرد، لأن هذا الطلوع ليس كغيره لعلوه { إلى إله مُوسَى } يعنى إن كان، وهو ـ لعنه الله ـ يتوهم أنه إن كان فهو جسم حال فى السموات، وهو ليس جسما ولا عرضا، وهو سبحانه وتعالى أخبرنا عن نفسه أنه ليس كمثله شىء. وأنه لا تحويه سماء ولا أرض، فكل ما جاء بعد مخالفا بظاهره، لهذا سهل تأويله، وأذعنت الى تأويله قلوبنا إذعان نفس العطشان فى الصيف الى ما جد من ماء بارد، ولا نجهل { وإنِّى لأظنُّه من الكاذبين } فى دعواه، فبنى له، وطلع وحده أو مع من يكتم الأمر، فرجع فقال لم أجد له ربا، وهذا لا يتم له، لأنه قد بلغ من يبنيه ذلك المبلغ، فلم يختص فرعون بذلك الموضع، وهو وغيره عاجزون عن الانتقال عنه الى فوق، وروى أنه ضرب منه بنبال، فرجعت بدم من طير، فزعم أنه قتل من هناك من إله موسى وغيره.

قال ابن جريج وقتادة: أول من صنع الآجر وبنى به فرعون، ورآى رضى الله عنه قصور الشام فقال: ما علمت أحداً بنى بالآجر غير فرعون، بل أول من اتخذه ولو بلا بناء فرعون، إذ قال لهامان أوقد لى، ولم يقل اصنع، لأنه هو الذى علمهم صنعه، ولعل عمر وقتادة وابن جريج أرادوا هذا، ويروى أنه جمع هامان لبنائه خمسين ألف بناء سوى الأتباع، ومن يصنع الآجر، والنجارين والحدادين، ووصل فى العلو ما يصله أحد، وكانوا يصعدون فيه بالبراذنن فأمر الله تعالى جبريل أن يقطعه عند الغروب، فقطعه ثلاث قطع، قطعة وقعت على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف، وقطعة فى البحر، وقطعة فى المغرب.