الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ فرددناه إلى أمه } فقبلوا منها الدلالة، فدلتهم على أمه فرددناه الى أمه { كى تقرّ عينُها } أمرها فرعون أن تأتى بمن يكلفه، فأتت بأمه وهو يبكى ولا يقبل عن امرأة، وفرعون يعلله، فلما جاءته قبل ثديها، فقال: من أنت ما قبل إلا ثديك؟ قالت: إنى امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن لا أوتى بصبى إلا قبل عنى، فرجعت به الى بيتها من يومها، من حين ألقته الى أن رجعت به يوم واحد، وقيل ثمانية أيام، وأجرى لها ديناراً فى كل يوم نفقة، وحل لها أخذها كى تقرعينها برجوعه إليها، فى أمن من فرعون بلا خوف، ولا حذر منه، إذ كان الرجوع بأمره لعنه الله بإذن الله عز وجل للمقدر لذلك.

{ ولا تَحْزن } بعد ذلك لفراقه { ولتَعْلم أنَّ وعْدَ الله حق } ليتجدد علمها بأن كل ما وعد الله حق لا يتخلف فى شأن موسى وغيره، فمن ذلك إرساله الموعود به، وبرده، وقد وقع الرد، فكذا يقع الإرسال بالقياس أيضا، ولا يخفى أن قوله عز وجل: { ولتعلم أن وَّعْدَ الله حق } يقوى أن الايحاء فى قوله عز وجل:وأوحينا إلى أُم موسى } [القصص: 7] إيحاء بملك، بل يتعين لأنا نقول: من أين تعلم بمجرد وقوع الموعود به بالالهام، أو بالرؤيا؟ إن الإلهام أو الرؤيا وعد من الله، ولا إشكال ولا سيما مع قوله { ولكنَّ أكْثَرَهم لا يعْلمُون } فإنه يبعد أن يكون المعنى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الالهام أو الرؤيا لا يتخلف، أو أنه حق، فإن الالهام والرؤيا مما يعذر الانسان فى عدم الجزم بتحققه، إذ لا يدرى أنهما من الله جزما، فالمعنى لا يعلمون أن ما وعد الله هكذا حق لا يتخلف، أو لا يعرفون وعده تعالى، ومن علم ذلك اختل عند الملمة بطبع البشر.