الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }

{ وقال } فى شأن إنكار رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم { الَّذين لا يرجُون لقاءنا } لا يطمعون فيه كما يطمع المؤمنون فيه لايمانهم بالبعث، فيثابون، وهؤلاء الكفرة لم يؤمنوا بالبعث، فهم لا يطمعون فى لقاءنا، ومعنا لقائنا لقاء ثوابنا، وهم لم يعملوا له أيضاً، فلا يرجونه، والرجاء الطمع أو التمنى، أو لقاءنا مجاز عن الثواب بلا تقدير مضاف، وقيل: الرجاء الخوف كما فسر به قوله تعالى:لا ترجون لله وقاراً } [نوح: 13] وقول الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها   وحالفها فى بيت نوب عواسل
وقوله:
لا يرتجى حين يلاقى الدابدا   أسبعة لاقى له أو واحدا
حقيقة فى لغة تهامة، وهذيل مجاز فى غيرها، اى لا يخافون لقاء عذابنا، أو اللقاء عبارة عن العذاب، وذلك لعدم إيمانهم بالبعث { لولا أنزل } من الله { عليْنا } معشر الأكابر الأشراف، أو على كل واحد ممن أنكر رسالته، وهذا أشد عتواً { الملائكة } الجنس أو كلهم، وهو أشد عتواً ليخبرونا انك رسول الله { أو نَرى ربَّنا } ليخبرنا أنك رسول منه { لَقَد اسْتكبرُوا فى أنفسهم } الأصل استكبروا أنفسهم أى عدوها كبيرة الشأن، وضمن معنى ألقوا الكبر فعدى بفى أو المعنى أضمروا الكبر فى قلوبهم، وذلك أنهم راموا ما لا يصلح للرسل والملائكة، وهو رؤية الله، فانها لا تثبت لأحد فى الدنيا ولا فى الآخرة، لأنها تنافى الألوهية، وأنهم احقروه صلى الله عليه وسلم عن أن يؤمنوا به وبآياته ومعجزاته.

{ وعَتَوْا } العتو مجاوزة الحد فى الظلم، وزاد على مطلق ذلك بقوله: { عتواً كبيراً } أقصى ما يكون ورد الله عليهم بذكر الملائكة ورؤيتها لا على وجه طلبوه، بل على وجه العقاب فى قوله:

{ يوم يَرونَ الملائكة } مفعول لا ذكر، أو ظرف أى لا يفرحون يوم يرونهم، أو يعذبون يوم الخ، وهو يوم القيامة أو الموت أولا بشرى يوم الخ، ودل على المحذوف قوله: { لا بشرى يومئذ } يوم إذ يرونهم { للمجرمين } عموماً، وهم من المجرمين، وهذا احتجاج عليهم، فلا بشرى لهم أولا وبالذات، أو هم المراد بالمجرمين إظهاراً فى مقام الاضمار ليذكرهم باسم الاجرام المنافى للبشرى، أو المراد الرؤية فى الدنيا على سبيل الفرض لثبوتها، وعلى طريق الاخبار بأنهم لا يؤمنون، ولو رأوهم، فاذا رأوهم كما طلبوا، ولم يؤمنوا لم يؤخر عذابهم، كما أهلك قوم صالح، وأصحاب المائدة ونحوهم ممن اقترح آيةإلاَّ قوم يونس لما آمنوا } [يونس: 98] الخ، وقال: { يوم يرون الملائكة } ولم يقل تنزل الملائكة كما قالوا: ولولا أنزل إيذاناً من أول بأن ملاقاتهم الملائكة ليس على طريق ما طلبوا بل على وجه آخر.

{ ويقولون } لنزول العذاب عليهم على طريق الدعاء { حِجْراً مَحْجُوراً } أحجرك الله حجراً محجوراً، أى منعك منعاً ممنوع الترك، أى منعاً لا بد منه كلام تقوله العرب عند الخوف من شىء، فهم يقولونه للملائكة إذا رأوهم وخافوهم حين خرجوا من قبورهم، يجوز عود الضمير للملائكة كما قال أبو سعيد الخدرى: إن القائلين الملائكة حجرت البشرى عنكم حجراً محجوراً، لأنكم لم تقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس: الجنة، وقيل الغفران، ونفى البشرى كناية عن الخزى، لأن المقام إذا كان لأحد الشيئين فقط ونفى أحدهما بقى الآخر، والآخرة إما عقاب أو ثواب.