الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ وَعَدَ الله } فى علمه وفى اللوح المحفوظ { الَّذين آمنُوا منْكُم } يا محمد وأصحابه فمروا الكفار والمنافقين مواجهة وصريحاً، ولا تخافوا مضرتهم، فإنها لا تحصل البتة او لا تفيدهم شيئاً، فإن الوعد بالاستخلاف وعد بالإحياء والنصر، وذلك أيضاً امتنان ووسط منكم بين آمنوا وبين قوله: { وعَملُوا الصالحات } ولم يؤخره كما أخره فى قوله:وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } [الفتح: 29] لتعجيل ذكر مسرة المؤمنين، فان الآية سيقت لذلك، وأيضاً الايمان هو الأصل الذى ينبنى عليه الاستخلاف، وهو مستلحق للعمل الصالح إذا تحقق.

ولا شك أن المراد الايمان المحقق، فالعمل الصالح فرعه فأخره، فان فسق الامام وأمر بعد الاستتابة عزل، وإن عاند قتل، كما ورد فى الحديث، قال أبى بن كعب: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والمهاجرون، رمتهم العرب عن قوس واحد، والتزموا السلاح ليلاً ونهاراً خوفاً من العرب، وقالوا هل نعيش حتى نبيت آمنين، فنزل قوله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات }.

{ ليسْتخلفَنَّهم فى الأرض } الى قوله: { الفاسقون } وقيل: الخطاب فى منكم للمنافقين المقسمين جهد أيمانهم، مقرر لقوله:وإن تطيعوه تهتدوا } [النور: 54] ويرده أنه ما مضى منهم إيمان محقق، ولا استقبل ولا قال وعد الله الذين آمنوا منكم إن كان منكم من آمن أو يؤمن، وزعم بعض ان الخطاب لكل من آمن فى أى مكان، وفى أى زمان فى زمان الرسول وبعده، والجملة جواب القسم، وهو وعد الله، لأنه عزيمة وتحقيق، فهو بمزلة: الله ليستخلفنَّهم، وبمنزلة أقسم بالله ليستخلفنَّهم، وقيل التقدير وعد الله الذين آمنوا الخ أن يستخلفهم، وأقسم ليستخفنَّهم فى الأرض، وهى مشارق الأرض مغاربها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " زويت لى الأرض فأُريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى ما زُوى لى منها ".

{ كما استخْلفَ } استخلافاً ثاباً كاستخلافه { الَّذين من قبلهم } كبنى اسرائيل، ملكوا الشام بعد هلاك فرعون، والقبط قيل ومصر، على أنهم رجعو إليها أو ملكوها، وهم فى الشام، وكالمؤمنين بعد هلاك عاد، وبعد هلاك ثمود، وهلاك قوم لوط.

{ وليمكنَنَّ لهُم دينهم الَّذى ارتضى لَهُم } وهو دين الاسلام، اختاره لهم، وأنعم عليهم به، يثبته لهم، ويجعله لهم كمكان لساكنه، فإن أصل التمكين جعل الشىء مكاناً لشىء، أو جعل الشىء فى مكان، وقد جعلهم الله فى الاسلام كإسكان الرجل أهله فى دار { وليبدلنَّهُم من بعد خَوْفهم } من أعدائهم خوفاً مطبوعاً فى البشر، ولو كانوا مؤمنين موقنين { أمناً } عظيماً فى الدنيا، يزول معه الخوف من أعدائهم البتة، يورثهم الأرض، ويجعلهم فيها خلفاء، كما أورث بنى إسرائيل مصر والشام.

السابقالتالي
2