الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ والَّذين كَفَروا أعمالهُمْ } ما يعملونه مما هو طاعة شرعية، وما يدعونه عبادة، وليس عبادة كفك العانى، وسقاية الحاج، وعمارة البيت وإغاثة الملهوف، وقرى الضيف، وكلطخ البيت بدم الذبائح التى يتقربون بها، ودخول البيوت من غير أبوابها إذا أحرموا، وقولهم: لبيك اللهم لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك.

{ كسرابٍ } من سرب الماء بمعنى جريانه، لأنه بخار رقيق يصعد من قيعان الأرض تصيبه الشمس فيرى من بعيد كأنه ماء سارب، أى جار أو ما ترقرق من الهواء وقت شدة الحر فى الفيفاء المنبسطة، أو شعاع يرى نصف النهار وقت شدة الحر { بقيعةٍ } فى أرض مستوية منبسطة، لا فى هوائها فقط نعت سراب { يحسبُه } يظنه، وقيل: الظن أن يخطر الشيئان الجائزان، أو الأشياء الجائزات فى القلب، ويرجح أحدهما أو إحداهن، والحسبان الحكم بواحد دون خطور الآخر، دون أن يصل درجة العلم، ويطلق أيضاً على معنى دعوى وصولها.

{ الظّمآن } العطشان { ماء } وكذا الريان يحسبه ماء، إلا أنه خص الظمآن لأنه المتشوف للماء، والجملة نعت آخر { حتَّى إذا جاءه } أى جاء الظمآن الماء المحسوب أو السراب { لم يجدهُ } أى لم يجد ما حسبه ماء هو السراب { شيئاً } محسوساً ولا معقولا فضلاً عن أن يكون ماء، ولو كان فى نفس الأمر شيئاً، وهو البخار المتصعد مثلاً، ألا ترى أنه يرى من بعيد فلا بد أن له أصلا، كما أن للحلقة الحاصلة من إدارة الشعلة بسرعة أصلاً، وهو الشعلة.

{ ووجَد الله } مقدور الله، وهو الاهلاك { عنْدَه } عند السراب، أى يجد حساب الله عند السراب { فوفَّاه حِسابه } أعطاه حساب عمله كاملاً، فيعذب العذاب المتوقف عليه كاملاً، ولا يثابون على ما ظنوه من الأعمال نافعاً، وعبادة فى الجملة لا يوم القيامة، لأنه لا يؤمن به، ولكن إذا بعث طمع أن ينفعه ذلك، أو فرض أنه إن صحت القيامة نفعنى فيها ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ومثل ذلك فى المؤمن قوله تعالى:يجد الله غفوراً رحيماً } [النساء: 110] أى يجد مغفرته ورحمته، وقيل نزلت الآية فى عتبة بن ربيعة بن أمية، كان يترهب فى الجاهلية، ويلبس المسوح، ولما جاء الاسلام كفر به.

روت صحابة أن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا، فيقولون أين الماء فيمثل لهم السراب فى الساهرة، فيحسبونه ماء فينطلقون اليه، فيجدون الله تعالى عنده، فيوفيهم حسابه، تجرهم الزبانية الى النار، وتسقيهم الحميم والغساق، والكلام استعارة تمثيلية { والله سريعُ الحساب } لا يشغله حساب عن حساب.