الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ }

{ فى بيوتٍ أذنَ الله أن تُرفَع ويُذكر فيها اسمُه يسبِّح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ } فى بيوت نعت لمشكاةٍ، أو من باب الاشتغال، والاشتغال أبداً من باب التوكيد، أى يسبح فى بيوت، والشاغل ها من قوله: { فيها } كقولك: فى الدار جلست فيها، وبزيد مررت به، وذلك من تأكيد الحدث، وإن أريد تأكيد غيره جعلنا فى بيوت متعلقاً بيسبح المذكور، وفيها توكيداً لقوله: { فى بيوت } وفى المثال تعلق بزيد بمررت المذكور، ونجعل به تأكيداً لزيد، ولا يعترض بأن الضمير ضعيف لا يؤكد الأقوى، لأنا نقول باب التوكيد أوسع، يصدق بذكر أدنى شىء، يستغنى عنه، بل التوكيد والمؤكد الجار والمجرور لا المجرور وحده، ولا تتوهم أن الحرف ومجروره بدل من الحرف ومجروره، بل تأكيد، كقولك: فى الدار فى الدار، وبزيد بزيد، لأن الضمير بمنزلة مرجعه، ولا تقلد ما يخالف ذلك، ويبعد تعليقه بيوقد.

والمراد ببيوت بيوت مخصوصة، وهى المساجد الاسلامية فى الأمم السالفة، وهذه الأمة ومقابلها مساجد الكفر وبيوت السكنى ونحوها، لا خصوص موضع السجود، من القدس والمسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد قباء، ومعنى { أذن الله ان ترفع } امر بتعظيمها كصيانتها من دخول الجنب والحائض، والنفساء والأقلف، والسكران بمحرم، وعن مسهم إياها، ولو من خارج، واستنادهم عليها من خارج، ودخول الصبيان والمجانين، وإدخال الميت، قال صلى الله عليه وسلم: " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها فى الجمع ".

وقيل: رفعها بناءها كقوله تعالى:بناها * رفع سَمكها فسواها } [النازعات: 27 - 28] وقال عز وجل:وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } [البقرة: 127] ولا يسرف فى تزيين المسجد بالنقش، وليس ذلك من رفعه المأمور به، ومن الاسراف نقش جامع قرطبة بالذهب مكتوباً به القرآن كله فى سواريه، وهى نحو تسعمائة سارية من الرخام الفائق، وإنفاق الوليد بن عبد الملك فى عمارة جامع دمشق مثل خراج الشام ثلاث مرات، وروى أن سليمان بالغ فى تزيين بيت المقدس وعمارته، وأقام فى عمارته كذا وكذا ألف رجل سبع سنين، ووضع آجره من الكبريت الأحمر على رأس قبة الصخرة، تغزل النساء فى ضوءها ليلا على اثنى عشر ميلا، وفعل النبى ليس إسرافاً، وليس إسرافاً بناء عثمان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالساج، وكذا بالغ عمر بن عبد العزيز فى تزيينه ونقشه، ولم ينههما أحد.

وعنه صلى الله عليه وسلم: " ما ساء قوم قط إلاَّ زخرفوا مساجدهم " وعن ابن عباس: أمرنا أن نبنى المساجد جماء، وجاءت الأنصار بمال فقالوا: يا رسول الله زين به مسجدك، فقال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3