الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ }

{ فأوحَيْنا إليه } عقب ذلك بسبب ذلك { أن اصْنَع الفُلْكَ بأعْيُننا } ملتبساً بحفظنا لها عن أن يفسدوها، وعن أن تزيغ فى صنعها { وَوَحْينا } إليك بكيفية صنعها، قارنه ملك يعلمه الصنع، وتغطيتها بما لا ينفذه الماء كالقطران مع الجير { فإذا جاء } قرب جداً أو حضر ابتداء { أمرنا } عقب اتمامها، وهو واحد الأمور، وهو العذاب أو أمرنا لك بالركوب فيها.

{ وفار } نبع بالماء نبعاً شديداً { التَّنُّورُ } الذى من شأنه المنافرة للماء تنور آدم عند نوح، أخبرته امرأته لعنها الله بفورانه، فركبُوا وهو فى موضع مسجد الكوفة عن يمين الداخل من باب كندة، أو فى عين وردة من الشام، أو بالجزيرة قريباً من الموصل، او فى هند، أو التنور وجه الأرض، أو فار التنور عبارة عن شدة الأمر كحمى الوطيس، وشمرت الحرب عن ساق.

{ فاسلك } أدخل { فيها من كلٍّ زوجَين } نوعين ذكر وأنثى { اثْنَين } فرد من ذكر أو أنثى مفعول به لاسلك، ليتوالد فلا ينقطع الجنس، فحمل ديكاً وديكة ونعامة ذكراً وأنثى وغير ذلك مما يلد البيض، وجملاً وناقة، وهكذا فلم يحمل بغلاً وبغلة، لأنهما لا يتوالدان، ويكفى حمل ما يلدهما، ولم يحمل ما يتولد من الماء أو الصفونة كالذباب والدود والبق، والآية صريحة فى أن قوله تعالى: { فاسلك فيها } متقدم على صنعها، فيرد إليها قوله عز وجل:حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور } [هود: 40]قلنا احمل فيها } [هود: 40] رد ظاهرة بعد صنعها، وهو كذلك بأن القول قبل صنعها يتحقق، وينفذ بعد صنعها، أو ما هنا وهو القول قبل الصنع كالعدم بالنسبة إلى القول بعده لقوته، وهو ما فى الآية الأخرى، فكأنه قيل بعده، وأولى من هذا أَن القول وقع قبل وبعد تنبيهاً وتأكيداً.

{ وأهْلك } أى من آمن بك، ولو من غير قرابتك، كما فى هود، والعطف على اثنين، ولا يتوهم أن الأهل من الزوجين، لأن المراد اسلك فيها اثنين من كل زوجين وأهلك { إلاَّ من سبق } فى قوله تعالى وفى اللوح المحفوظ { عليه القَوْل } بالإهلاك { منهم } من القوم والاستثناء منقطع، لأن المراد بالأهل من آمن به، وإن فسرنا الأهل بقرابته، ومن تحت حكمه، كان المراد بمن سبق عليه القول زوجه وابنه الكافر، فيكون سائر من آمن به لم يذكر فى هذه الآية اكتفاء بذكره، فى غيرها ولدلاله استثناء من سبق عليه القول، لأن استثناء لكفره، وأخر الأهل عن الاثنين من كل زوجين، ولو قدمهم لطال الفصل بالاستثناء، وما اتصل به من قوله:

{ ولا تُخاطبنى فى الَّذين ظلمُوا إنَّهُم مُغْرقون } ولأن أهله يدخلون بأنفسهم واختيارهم مع قوله تعالى: { فاسلك فيها } والاثنان من كل زوج لا يدخلان باختيارهما، بل بادخال نوح، والمعنى لا تكلمنى فيهم بطلب انجائهم، والمراد لا تخاطبنى فيهم، وأظهر ليذكر سبب إغراقهم، وهو الظلم لأنفسهم وللمؤمنين ولنوح ولدين الله، أنهم مغرقون ولا بد أو مقضى عليهم بالإغراق فلا يتخلف، ولا يقال خاطبت الله لعدم الأدب فيه، ولعدم وروده، ولو قال لا تخاطبنى.