الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }

{ أفَلَم يسيروا فى الأرْض } أمكثوا فلم يسيروا أو تقاعدوا عن اكتساب النظر الاعتبارى، فلم يسيروا، والاستفهام للأمر أى سيروا للنظر، أو انظروا نظر اعتبار، فعبر عنه بما توقف عليه وهو السير، للإنكار أو التقرير { فتكونُ لَهُم قلوبٌ يعْقلُونَ } التوحيد أو ما يوجبه { بها } أى ليحصلوا سيراً فكون قلوب عاقلة لهم بلام الأمر داخلة، على يحصلوا أو لم يكن لهم سير، فكون قلوب عاقلة لهم، وقد كانت لهم، لكن غير عاقلة، والعقل هنا، وهو يحصل بالقلب { أو آذانٌ يسْمعُون بها } ما يوحى، أو التوحيد أو إخباراً توجيه عن الأمم السالفة ممن يجاوزهم، فإنه أعرف منهم بحال الأمم.

{ فإنَّها } أى القصة، وكذا يؤنث ضمير الشأن إذا كان بعده مؤنث مسند أو مسند اليه { لا تَعْمى الأبصارُ } تعليل المحذوف أى عموا عن الراشد، ولو كانت لهم عيون لأنه لا تعمى الأبصار ليس الضلال متوقفاً على عمى العيون، فإنه كلا عمى بالنظر الى عمى القلوب { ولكن تَعْمى القُلُوب الَّتى فى الصدور } ينتفى عنها نور إدارك الحق الذى هو كنوز العيون، ويقال لما نزل قوله تعالى:ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى } [الإسراء: 72] قال عبد الله بن زائدة بن أم مكتوم: يا رسول الله أنا فى الدنيا أعمى، أفأكون فى الآخرة أعمى؟ فنزل: { فإنها لا تعمى الأبصار } الخ جواباً له وتفريعاً بالفاء على ما قبله، وروى أنه تعالى أوحى الى موسى عليه السلام: أن اتخذ نعلين من حديد وعصا، ثم سح فى الأرض فاطلب الآثار والعبر، حتى تحفى النعلان، وتنكسر العصا، فإما أنه لا يصح هذا، لأن موسى لم يفعل ذلك، وإما أن يراد به أن العبر كثيرة لا يحصرها بشر فى الأرض متفرقة فيها.