الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

{ يا أيُّها الناسُ اتَّقُوا ربَّكم } الخطاب الذى حكمه العموم خطاب للموجودين من المكلفين فى حال النزول، والذي سيوجدن، أو سيوجد تكليفهم مثل من وجد، وهو طفل أو مجنون، وقضى الله حياته، وذلك تغليب، وقيل: حقيقة وهو مذهب الحنابلة، وطائفة من المتقدمين والفقهاء. وقيل: مجاز، وقيل: خاص بالمكلفين الموجودين حال النزول، وأما غيرهم فملتحق بهم من الحديث ومن القرآن، لما جاء فيه بطريق العموم والغيبة، مثل من فعل كذا، ومن لم يفعل كذا فله كذا، وعليه كذا وكذا الخلف فى جمع المذكر السالم جمع صفة، وواو الجمع تدخل فيه الإناث تغليبا أو حقيقة أو مجاز، أو لديل آخر من القرآن مثل من فعل أو لم يفعل أو من الحديث.

وقيل الخطاب خاص بأهل مكة، وعليه فالتقوى ترك الشرك بخلاف غير هذا القول، فإنها تعم ترك المعاصى مطلقا، لكن لا مانع من التعميم أيضا فى أهل مكة، لأن التحقيق خطاب المشركين بالفروع، ولو كان الأنسب الأمر أولا بالتوحيد، ولا خلاف فى دخولهن فى نحو الناس والإنسان، مثل:إنَّ الإنسان لفى خسر } [العصر: 2] الآية مما لفظه عام ولا علامة تذكيره ولا تأنيث فيه، ولفظ الرب تغليظ كأنه قيل احذروا عقوبة مالك أمركم ومريبكم.

{ إنَّ زَلزْلة السَّاعة شىءٌ عظِيمٌ } تحريك الأرض الدال على قرب الساعة جدا، وهى قبل طلوع الشمس من مغربها شىء عظيم، وهى نفخة الفزع وبعدها نفخة الموت، وبعدها نفخة البعث، تموج الوحوش والإنس والجن مختلطين، وأضاف الزلزلة للساعة لأنها من أشراطها، وقربها كأنها مجاورة، كأنه وقعت الزلزلة فى الساعة، فيكون من إضافة المصدر الى وقته، أى فى الساعة أو الى فاعله، على أن المزلزل للأرض هو الساعة مجازا أو الى المفعول به المتجوز به، كأنه زلزل الله الساعة، والمزلزل حقيقة هو الله جل وعلا فى ذلك كله، أو الملك، وفعله فعل لله سبحانه، والزلزلة تكون بأمره ملكا موكلا على جبل قاف بتحريك عروق الأرض المتصلة بجبل قاف.

وكذا إذا أراد زلزلة أرض يأمره بتحريك عرق تلك الأرض، وزعمت الفلاسفة أن الزلزلة باجتماع بخار واحتباسه فى بطن الأرض وغلظه، مع انتفاء منفذ فقد يكون منه خسف، وأصوات ونار لشدة اشتعال البخار، وإن صح فالله جامعه ومخرجه ومزلزل به إذا شاء، ويناسبه شدة الزلزلة وكثرتها فى الأرض الصلبة بالنسبة الى الرخوة، ويدل على إرادة نفخة الفزع وجود المرضعة والحامل لقوله تعالى:

{ يَوْم تَروْنها تذْهَل كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت وتَضع كُل ذات حَمْلِ حَمْلها } فان كان المراد نفخة البعث كما قال الجمهور فالمراد بذهول المرضعات، ووضع الحوامل الكناية عن شدة الهول لا حقيقة الإرضاع والوضع، وهو وجه حسن، مع أن نفخة الفزع ليست نفس ما يوعدون، ولا دلالة فيها على البعث.

السابقالتالي
2