الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ }

{ ومن النَّاس مَنْ يعبُد الله علَى حَرفٍ } طرف من الدين بلا تشبث، وتوغل فيه، وفى حرف استعارة مفردة إذ شبه حاله فى الدين بطرف الشىء، وليست الجملة استعارة مركبة تمثيلية، لأن قوله يعبد الله حقيقة على أصله، وإنما يجوز ذكر المشبه فى الجملة التى يقال لها كناية، فانه يجوز إرادة الحقيقة وغيرها فيها، ولو كان المعنى انه كالذى فى ظرف الجيش إن احسّ بظفر فر، وإلا فر كما فسر ذلك بقوله سبحانه: { فإن أصابه خيرٌ } كالرخاء والعافية والولد والمال والصحة مما يشتهيه، أو لم يخطر بباله { اطمأن به } ثبت على ذلك الطرف من الدين { وإن أصابَتْه فِتنةٌ } كغلاء ومرض وخسارة وموت ولد مما يفتن به.

{ انْقَلب على وجْهِه } رجع الى الشرك، شبه لرجوع اليه بالانكباب على الوجه، أو بالذهاب الى الجهة المقابلة لوجهه ولو حفرة أو بئراً أو سبخة أو جبلا أو حريقاً كالمنهزم من حرب قلقا، فهو مقابل لاطمأن، وفى الانقلاب على الوجه استعارة اشتق منها، انقلب، قال ابن عباس: كان الرجل يقدم المدينة فان ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله فقال: هذا دين صالح وإلا قال، دين سوء، وضعف ابن حجر ما روى عن أبى سعيد، أسلم يهودى فذهب بصره وماله وولده، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أقلنى أصبت بالإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: " الإسلام لا يقال الإسلام يسبك الرجل كما تسبك النار خبث الذهب والفضة والحديد " فنزلت الآية، ووجه ضعفه أن اليهود لا تعبد الأصنام، وقد ذكرت فى قوله:يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } [الحج: 12] إلا أن يقال ما لرهبانهم، إذ كانوا معهم كألاصنام، وهو خلاف الأصل، ولو عبر بمن بعد أيضا. وقيل عن ابن عباس: نزلت فى شبيب بن ربيعة أسلم قبل ظهروه صلى عليه وسلم، وارتد بعد ظهوره وعن الحسن فى المنافقين { خَسِر الدنْيا والآخرِة } فاته ما يسره فيهما مستأنف، أو دل من نقلب على وجهه بدل الشىء من الشىء، أو عطف بيان على جوازه فى الجمل، أو حال من ضمير إنقلب، ولو لم تكن فيه قد. وتقدر { ذلك الخسران البعيد } جداً، أو الانقلاب البعيد جداً، ولا يصح ما قيل إشارة البعد لكون المشار اليه غير مذكور صريحاً، لأن ذكر انقلب وخسر ذكر له { هو الخْسران المُبِين } لا يشك فيه.