الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }

{ قالُوا } كان فيهم القول، أى قال بعض لبعض { حرِّقوه } فان النار أشد ما يعذب به، ولذلك كانت عذاب الله فى الآخرة، لا يعذب بالنار إلا ربها: { وانصروا } بتحريقه { آلهتكم إن كُنْتم فاعلين } مريدين لفعل ننصرها، وإن لم تعذبوه البتة، أو عذبتموه بغير النار، فقد خذلتموها، أمرهم نمرود بن كنعان بن سنجاريب بن نمرود بن كوس بن حام بن نوح عليه السلام، وروى أنه تليت الآية على ابن عمر فقال: أتدرى يا مجاهد من أمر بذلك؟ قال: لا، قال: رجل من أعرب فارس، يعنى الأكراد، على أن الأكراد من الفرس، وذهب كثير الى أنهم من العرب، وذكر، أن منهم جابان أبا ميهون من الصحابة، ولعل المراد بالأعراب أهل الصحراء ولو عجماً، ومات نمرود ببعوضة فى دماغة، صارت فيه كالفرخ.

وذاكر ابن عطية أن الآمر بذلك رجل من الأكراد خسف به الأرض تلجلجاً الى يوم القيامة، واسمه هبون، وقيل: هدير، وذلك لأمره، ولو كان المنفذ له نمرود لا إياه، وحيى نمرود الى أن مات بالباعوضة حبسوه، وجمعوا له الحطب الغليظ أربعين يوماً، وقيل شهراً، وأوقدوه فى حظيرة فى بلدة يقال لها كوشى من قرى الأنباط فى حدود بابل من العراق، ولا يمر عليها طائر إلا احترق، ولا يقدرون على أن يقربوها، فأمرهم إبليس، أو الرجل الذى أمر بهما أن يلقوه فيها بالمنجنيق، وجعلوه فيه مغلولا مقيداً، فصاحت ملائكة السماء والأرض: إلهنا ما فى أرضك من يعبدك غير ابراهيم وهو يحرق فيك فإذن لنا فى نصره، فقال عز وجل: إن استغاث بأحد منكم فلينصره، وان لم يدع غيرى فأنا إلهه ووليه، وعالم به، فخلوا بينى وبينه، فإنه خليلى، ليس لى خليل غيره، وليس له إله غيرى.

فأتاه خازن الماء، وخازن الرياح، فاستأذناه فقال: لا حاجة لى إليكم، حسبى الله نعم الوكيل، وأتاه جبريل وهو فى الهواء، فقال: هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال سل ربك، فقال هو عالم بحالى، وحين أوثقوه قال: لا إليه إلا أنت سبحانك لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك.

وفى البخارى عند قوله تعالى:وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } [آل عمران: 173] قالها ابراهيم حين ألقى فى النار، ومحمد حين قيل إن الناس قد جمعوا لكم، وأنت خبير بما هنا من روايات، أن الضفادع تسعى فى إطفاء النار بالماء، فذهب ثلثاها، وأن الوزغ كان ينفخ فى النار الى غير ذلك، كانت المرأة تنذر أن عليه كذا من الحطب، لإحراق ابراهيم إن نالت حاجتها، ولم تضره النار، وبقى ضوءها وإشراقها، ولم تغيره شيئاً سوى أن أحرقت كتافه، أبقى الله حرارتها على الكتاف، وأزالها عنه كما قال الله جل وعلا.