الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ }

{ بل متَّعنا هؤلاء وآباءَهُم حتَّى طَال عليهُم العُمُر } انتقال الى ذكر استدراجهم المتضمن للوعيد، أو من توهمهم أنهم فى كلاءة من آلهتهم، أو من توهم أنها تمنعهم، وأن ما هم فيه يدوم الى أن إبقاءهم متنعمين استدراج { أفلا يروْن أنَّا نأتى الأرضَ } ألا يعتبرون فلا يعلمون أنا نأتى أرضهم، أو أرض الكفرة مطلقا { نَنْقُصها مِنْ أطرافها } بتغليب المؤمنين عليها، ولم يقل أفلا يرون أنا ننقص الأرض بل { قال نأتى الأرض } الخ إشارة الى أن انتزاعها بإتيان جيوش المؤمنين، وأنه بقدرته تعالى كأنه قيل إن جيوشنا يأتون الأرض ينقصون من أطرافها، وإلى تعظيم أمر الجهاد والمجاهدين، إذ أسند ما لهم اليه، وننقص حال مقدرة، والآية مدنية فرض الجهاد، جعلها الله تعالى فى سورة مكية، وعلى أنها نزلت بمكة فنقص الأرض إذهاب بركتها، قيل: وتخريب قراها، وموت أهلها، وفيه أنه لم يظهر التخريب وموتهم، ولا يصح أيضا ما روى عنه صلى الله عليه وسلم: ان نقصها بموت العلماء، فهو حديث موضوع إذ لم يظهر موتهم، وإن أريد علماء أهل الكتاب لم يظهر أيضا.

{ أفُهم الغالبون } أنحن الناقصون لها، فهم مع ذلك الغالبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، لا يتصور ذلك، بل المؤمنين هم الغالبون، وضمائر الغيبة فى ذلك كله من قوله:بل هم عن ذكر ربهم } إلى هنا تحقير لهم، وتنزيل لهم منزلة ما هو أخس من البهائم، وأمر رسوله بخطابهم فى قوله:

{ قل إنَّما أنُذِرُكُم } فى شأن الاستعجال { بالوَحْى } الصادق الناطق بإثبات الساعة، وشدة هولها وقوله: { ولا يسْمعُ الصُّمُ الدُّعاء إذا ما يُنْذَرون } صيح عليهم بحدوث مخوف، وذلك من جملة ما أمر الله سبحانه رسوله صلى الله وسلم أن يقوله لهم، أو مستأنف من الله عز وجل، أى قل لهم: إنما أنذركم بالوحى، ولا يؤثر فيهم قولك، ولكن تبليغاً وقطعا للاعتذار، كما لا يؤثر النداء المكرر المرفوع به الصوت جداً فى الصم، فإن من شأن الإنذار رفع الصوت جدا، وتكريره على هيئة تدل على حادث مكروه، هم يسمعون شبهوا بمن لا يسمع طبعاً فضلا عن أن يعملوا بما يقال لهم: والصم الجنس، فهؤلاء داخلون أولا إذ فيهم الكلام، أو هم المقصودون، ذكروا بالاسم الظاهر ليصرح ببعدهم عن قبول فلذا لم يقل: ولا يسمعون، وأجيز أن يكون المعنى لا يسمع هؤلاء، أو هم وأمثالهم الدعاء الى الحق إذا أنذروا به.