الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }

{ وجَعَلنا فى الأرض رَوَاسِى } جبالا ثوابت راسخة على وجه الأرض وداخلها، وفواعل جمع لمذكر غير عاقل، على وزن فاعل كما يجمع عليه المؤنث مطلقاً { أنْ تميدَ بِهِم } تميل بتحرك، إذ كانت على الماء وحذف المضاف تقديره كراهة أن تميد، أولى من تقدير لام الجر، ولا النافية،لأن قلة الحذف، أولى، نعم يجوز أن تقدر لام الجر بدون لا، أى جعلناها لأن تميد، أى أعددناها، لأن تميد، كقولك: أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط، والأولان أولى لاقتضائهما أنها لا تميد، وما يوجد من ميدها فى بعض الأزمان، ليس من كونها على الماء، والباء للتعدية أى أن تيمدهم بضم التاء.

{ وجَعَلْنا فيها } فى الأرض، وكرر الجعل لما فيه من كمال الامتنان، ولأن المجهول هناك الرواسى، وهنا الفجاج أو الضمير للرواسى، كما روى عن ابن عباس، ويناسبه أنها أشد احتياجاً للسبل ولأول أولى، لأن سبل الأرض أكثر وأشد احتياجاً إليها من الجبال { فجاجاً } جمع فج وهو طريق بين، أو مطلق الواسع طريقا، أو غيره فى الجبل، أو الأرض { سُبُلا } بيان على جوازه فى النكرات، أو بدل من فجاجاً وهذا أولى من جلعه مفعولا وفجاجاً حال منه، وأن أصله نعت، لأن فى جعله حالا مأخوذة من نعت تقديماً وتاخيراً، ووقوع النعت والحال غير مشتقين إلا بتأويل بواسع، فهو ينعت كسائر الجوامد، كما نعت فى قوله تعالى:من كل فج عميق } [الحج: 27] وفى البدلية التأكيد بنية تكرار العامل، ونزيد أن المبدل منه ليس فى نية السقوط، وأخَّر فجاجاً فى نوح للفاصلة والامتنان، وقدم هنا للحث على التفكر { لعلَّهم يهْتدُونَ } الى الاستدلال على التوحيد، وكمال القدرة والحكمة، وقيل الى مصالحهم ومهماتهم، ويرده أنه لا ترجية فى الاهتداء إليهما، لأنهم قد اهتدوا إليها.