الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ }

{ اقْتَرب للنَّاس حِسابُهُم } قرب قرباً شديداً لزيادة الهمزة والتاء، أو مرادف للمجرد كرقب وارتقب، ولا يقال ما القرب، ومن حين نزلوها الى الآن أكثر من ألف عام، وثلاثمائة، وأحد وعشرين، لأنه تعالى عظيم الشأن فالقرب عنده بعيد عندنا جداً، فالألف من السنين عنده يوم فقد مضى يوم واحد وزيادة، وقد قال الله عز وجل:إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } [المعارج: 6 - 7] أو المراد بالاقتراب تحقيق الوقوع، وإذا جاز التعبير بالمضى عن الآتى، فكيف لا يعبر عنه بالقرب وكل آت قريب، والبعد ما وقع ومضى كما قيل:
فلا زال ما تهواه أقرب من غد   ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس
أو القرب باعتبار ما مضى من الدنيا، ولا حاجة الى تقدير مضاف، هكذا اقترب للناس زمان حسابهم، فإن ما قرب زمان وقوعه قد قرب، وما قرب وقوعه قرب زمانه، وهنا ذكر ما يقع، وفى اقتربت الساعة ذكر الزمان، وذكر اقتراب الحساب ولم يذكر العذاب، لأن الحساب يوجبه، وهو لدلالته على المناقشة دال على العذاب الشديد، ولذلك مما لا يخلو قلوبهم عن الاضطراب به، ولو بالغوا فى العناد.

كما روى أنها لما نزلتاقتربت الساعة } [القمر: 1] قالوا: أمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما يكون، فمضت مدة فقالوا ما رأينا ما تعدنا فنزل: " اقترب للناس حسابهم " فأشفقوا، ومضت مدة، وقالوا: ما نرى شيئاً، وللام بمعنى أل أو للاستحقاق أولى من كونها بمعنى من، وقدم للناس وأخر حسابهم على طريق الاهتمام بالمقدم والتهويل به. والتشويق إلى ذكر المؤخر، ولم يقل اقترب الناس للحساب، لأن الأصل وهو الجارى فى القرآن أن يسند الاقتراب الى الآية، لا الى الموجود والناس المكلفون عموماً، أو المشركون، أو مشركو مكة، ليذكرهم بأوصاف الشرك بعد، أو للعموم اعتباراً بالأكثر حكم الكل عرفاً وشرعاً، وذلك كل لا كلية، أو المشركون والعصاة، فيصرف الى كل فريق، وما يليق به، وهو خلاف الظاهر.

ويروى أن خاتم النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر: محمد سطر أول، ورسول سطر فوقه، والله سطر ثالث أعلى، وخاتم الصديق: نعم القادر الله، وخاتم الفاروق كفى بالموت واعظاً يا عمر، وخاتم عثمان: لتصبرن أو لتندمن، وخاتم على: الملك لله، وخاتم عمر بن عبد العزيز: اغز غزوة تجادل عنك يوم القيامة.

{ وهُم فى غَفْلة } عظيمة بشدة بعدها عن التنبه، أو بعمومها فى أمور الدين من التوحيد والرسالة والحساب والثواب والعقاب، ونحو ذلك من الأصول والفروع والجملة حال من الناس، ولا شعور للغافل عن المفعول عنه، بخلاف الإعراض، ولذا ذكره بقوله { مُعْرضون } خبر ثان، أعرضواعن التفكر فى عاقبة حالهم، ومآل أمرهم، وذلك تابع لغفلتهم أو أعرضوا عن الآيات والتذكر بعد النزول أو أعرضوا أتوا بأمر عريض، أى واسع فى غفلتهم، وأفرطوا فيه كقوله:

السابقالتالي
2