الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً }

{ قال } موسى عليه السلام تنحّ عنى { فاذْهَب } عن الناس كلهم أو عن بنى إسرائيل، إذ كنت مغوياً { فإنَّ لك فى الحياة } لأن لك فى الحياة، وفى متعلق بلك لنيابته عن ثابت، أو بثابت هذا، أو بثابت حالا من الكاف، وأخطأ من يعلقه بتقول متمسكاً بالتوسع في الظروف. لأنه إنما يصار الى ذلك التوسع حيث لا مندوحة.

{ أن تَقُول لا مِسَاس } المصدر اسم أن ولم يذكر المقول له للمعموم، يقول بأقصى صوته لكل أحد عند خوف المس { لا مساس } لك عندى أو بيننا، وهو مصدر ماس بفتح السين مشددة، فعل ماض للفاعلة بين الاثنين، لا يمسه أحد، أو يمس أحد إلا رحم من حينه حمى شديدة، ولا يتكلم الناس له، ولا يتبايعون معه، ولا يؤاكلونه، ولا يشربونه، ولا يعاملونه معاملة، مَّا، ولا يلاقى وذلك عقاب له، وكان كالوحش، وذلك في الماس الأجنبى وبقيته الى الآن فى الشام، لا يصافحون أحداً إلا من تحت ثوب، وأنكر الجبائى الحمى، وقال إنه لما هو جر، هام في البرية كالوحش، وكان يقول لا مساس. والصحيح الأول، وعوقب بذلك لأنه صور العجل وعبده ليجتمع له الناس فعوقب بالضد، وهو تفرقهم عنه، أو لما تسبب لحياة الجماد لمعصية عوقب بالحمى التى هى من أسباب موت الحى، أو لما نبذ فى النار القبضة للمعصية نبذ عن الناس، وذلك بدعاء موسى عليه السلام، ومن لك في شرعنا إبعاد الناشزة والآبق والطاعن فى الدين ونحوهم، والجنانى فى غير الحرّم الداخل فيه امتناعاً لا يطعمون، ولا يسقون، ولا ينفعون حتى ينزعوا عن ذلك، وقصة الذين خلفوا، ويروى أن موسى أراد قتله فمنعه الله عز وجل لسخائه.

{ وأن لَكَ } مع ذلك { موعداً } وعداً أو زمانه أو مكانه، وعده لجهنم لوقتها، { لن تخلفه } لا يتركه الله لك، { وانظر الى إلهِكَ } معبودك { الذِّى ظلْتَ } ظللت كما قرأ الأعمش وأبىّ، حذفت اللام الأولى تخفيفاً، وقيل الثاني لتطرفها، ولحصول التكرار بها، ذكر أبو حيان عن سيبويه، أن الحذف شاذ قياساً، وهو مختص بما إذا سكن آخر الفعل، وقال ابن مالك، وابن هشام: إنه يقاس فى كل مضاعف العين واللام في لغة سليم، وقيل مقيس فى المضاعف إذا كسرت عينه أو ضمت (عليه) متعلق بقوله { عاكفاً } مقيماً خصه من بين عابديه، لأنه رأسهم فى الضلال.

{ لنُحرقنه } بالنار حرقاً شديداً كما قال ابن عباس، وكما يدل له قراءة أسكان الحاء، فإن الإحراق شائع بالنار، فهو لحم ودم كما فى مصحف أبىّ وابن مسعود: لنذبحنه ثم لنحرقنَّه، ويجوز من يجوز التشديد مبالغة فى حرقت الحديد بالتخفيف أحرقه بضم الراء، وإذا برده بالمبرد، كما يدل له قراءة فتح النون وإسكان الحاء، وضم الراء، فإن هذا ظاهر فى الحرق بالمبرد، وهذا ظاهر في أنه غير لحم ودم، بن هو جماد، ولا مانع من أنه ذهب باق خلق الله فيه الحياة، ويبعد ما قيل: إن التحريق بالمبرد كان للعظام، ويقال يمكن أنه حرقه بالنار ثم بالمبرد، وأجيز العكس، وبحث بأن النار تذيبه وتجمعه ولا تحرقه، وتجعله رماداً، اللهم إلا بالحيل الصنعية.

السابقالتالي
2