الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي }

{ قال } الله عز وجل { فإنَّا قَدْ فتنَّا قَومْك } الفاء سببية أى أنت فعلت ذلك، وفتنا بسبب فعلك قومك، أوقعناهم في فتنة، وهى ميلهم الى الشهوات ووقوع الاختلاف، أو اختبرناهم بفعل السامرى، وليست للتعقيب، فان بين الفتن وذلك عشرين يوماً، وقيل ستة وثلاثين، فالماضى لتحقق الوقوع، أو للقرب، أو لعزم السامرى عقب ذهاب موسى وشروعه في الأسباب، أو للترتيب الذكرى { مِنْ بعْدكَ } بعد تقدمك عليهم مفارقاً لهم { وأضَّلَهُمْ السَّامرى } الى عبادة غير الله عز وجلّ، إذا دعاهم الى عبادة العجل، قيل: غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة، فقال لهم: قد تمت الأربعون عد الليالى أياماً، ولم نر موسى، وليس إخلافه عنكم إلا لما معكم من حلى القبط، وهو حرام عليكم، فجمعوه فجعله عجلا، فالمراد بالقوم من خلفهم مع هارون، وهم قيل ستمائة ألف، نجا من عبادة العجل منهم اثنا عشر ألفاً، فالمراد بقومك هنا غير المراد بهم في قوله:وما أعجلك عن قومك } [طه: 83] ولذا لم يقل فإنا قد فتناهم من بعدك، وقيل المراد، وأو على الأصل في تكرير المعرفة أنها عين الأولى، ولا يبعد أن المتخلفين قريباً من الطور، إلا أن النقباء أقرب منهم إليه، بل ذلك متبادر، ولا شك أن النقباء لم يعبدوا العجل، ولجعل لمعرفة عين الأولى وجه آخر، هو المراد بالقوم في الموضعين الجنس، إلا أنه أريد بالأول النقباء، وبالثانى المتخلفون، ومثل ذلك فى القرآن وارد.

والسَّامرى من عظماء نبى إسرائيل منسوب الى قبيلة عظيمة تسمى سامرة بالشام الى الآن، إذا أراد أحدهم المصافحة لوى الثوب على يده، لئلا تصيبه الحمى، يسمون السامريين، قيل: هو ابن عم موسى، وقيل: ابن خالته، وقيل علج من كرمان نقل الى مصر، وقيل: كان من أهل باجرما قرية بمصر، أو بالموصل، وقيل: كان من اقبط جاراً لموسى، يظهر له الإيمان، وقيل: من عباد البقر، أظهر الإيمان لبنى إسرائيل، واسمه على المشهور موسى بن ظفر، وقيل منجى أدخلته أمه في غار مخافة الذبح، وأطبقت عليه، فكان جبريل يغذوه بلبن في أصبع، وعسل فى أخرى وسمن فى أخرى قال بعض:
إذا المرء لم يخلق سعيداً تحيرت   قلوب مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذى رباه جبريل كافر   وموسى الذى رباه فرعون مرسل
{ فرَجَع موسى الى قومّه } وصلهم وقابلهم بعد تمام الأربعين ذى القعدة، وعشر من ذى الحجة، وأخذ التوراة لا عقب الإخبار بأنا قد فتنا قومك، الفاء للسببية أو للترتيب الذكرى أو العرفى، وهو أنه فى كل شىء يحسبه، كما قال ابن هشام مثل تزوج فولد له وشايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة، فرجعوا سالمين، ولا يتوهم لمن الولادة متصلة بالتزوج، ولا الرجوع متصل بالدعاء { غَضْبان } الغضب فى البشر ثوران دم القلب، لإرادة الانتقام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2