الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ }

{ ولَقَد مننَّا عليْكَ مرةً أخْرى } غير هذه المرة قبل ان تدعونى، وكيف لا أجيبك فى هذه المرة، وقد دعوتنى، وذكر المرة الأخرى فى قوله:

{ إِذ أوْحَينا إلى أمك ما يُوحَى } الخ وأصل المرة المرور الوحد، ثم أطلق على كل فعلة واحدة، ثم شاع فى كل فرد مما له أفراد، واستعمل فى الزمان، والمراد هنا الزمان الممتد قدر ما يقع فيه خارجا ما ذكر الله عز وجل من الإيحاء الى أم موسى الخ، وأخرى مؤنث آخر بفتح الخاء، بمعنى مغاير، وإذ متعلق بمننا بلا واسطة إبدال من مرة، أو بواسطته، والإيحاء الى أم موسى إلهام عند الجمهور كقوله عز وجل:وأوحى ربك إلى النحل } [النحل: 68] ولا يرده قوله تعالى:إنا رادُّوه إليك } [القصص: 7] الخ إذ لا نسلم أن الإخبار بالرد، ويجعله من المرسلين مختص بالوحى، لجواز أن يكون إلهاماً مع مشاهدتها منه ما يدل عل الرد، والجعل كما سمى عبد المطلب ابن ابنه محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال: رجوت له أن يحمد فى السماء والأرض، لما رأيت فيه من تعاطى خصال الشرف.

ويمكن أن يكون بعث الله إليها ملكاً كما أرسله الى مريم عليها السلام، لا على طريق الوحى بالشرع الى الأنبياء، بلا إشكال لأن الوحى تارة وحتى شرع الى الأنبياء، وتارة غيرة، وقيل الوحى فى الآية الإرادة فى النوم، وقيل وحى على لسان نبى فى زمانها وهو شعيب، لو كان فى مدين لا فى الشام، كقوله تعالى:وإذ أوحيت إلى الحواريين } [المائدة: 111] فإنه وحى إلى عيسى عليه السلام، واسمها يحانذ أو محيانة بنت يصهر ابن لاوى، أو بارخا أو بازخت، المراد بما يوحى القذف فى اليم، أو ما ينبغى أن يوحى، ولا يهمل كما يقال هذا مما يكتب، أو أوحينا ما لا يعلم إلا بالوحى، والأول أولى.

لكن لو كان كذلك لقال: ما أوحينا كما قال:فأوحى إلى عبده ما أوحى } [النجم: 10] وكما قال:فغشيهم من اليم ما غشيهم } [طه: 78] وعلى هذا يكون المعنى الثانى أولى، ولو كان الأول أنسب بالمعانى السابقة المرادة بالإيحاء، إذ بالوحى إليها إجمالا فتتهيأ نفسه الى الاستعداد لفهمه، ثم فصله تفصيلا يجد أنفساً متهيئة فيقر فيها، وفسر الوحى بقوله:

{ أن اقْذِفيه } ضعيه بلين { فى التَّابوت } فرشاً فرشته بقطن محلوج، أو نطع وكان من خشب، أو برد صنعه مؤمن آل فرعون، وقصصته وقيرته { فاقذفيه } أى ضعى التابوت وفيه موسى بلين { فى اليمّ } البحر ولا داعى الى جعل هذا القذف الثانى قذفا بعنف، ويجوز أن يكون القذفان بعنف على معنى العجلة فيهما، واليم البحر مطلقاً، وقيل العذب، وقيل النيل خاصة، وهو مردود، ولا يجمع لفظ اليم.

السابقالتالي
2 3