الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى }

{ إِنَّى أنا ربك } مستأنف أو مجموع الى قوله: { يا موسى } أى قيل له ذلك، ويقال: لما نودى قال: من المتكلم؟ فإنى أسمع صوتك ولا أدرى أين أنت؟ قال: أنا فوقك وأمامك، وخلفك، وأقرب إليك منك، فعلم أن الكلام من الله تعالى، وكان يسمعه بأذنيه وبطنه، ويديه ولسانه، وعينيه وبدنه، وداخله والمتكلم بذلك ملك يقول عن الله بأمره تعالى كما ينزل جبريل بألفاظ التوحيد وغيرها عَنِ الله عز وجل، أو خلق الله الكلام فى الشجرة أو فى الهواء أو فى بدن موسى، كما روى أنه سمعه بجميع جسده، ومن جميع الجهات، أخطأ من قال: إنه سمع ألفاظاً تلفظها الله، لأن ذلك من صفات المخلوق والمحدود الحال.

ومن قال: إنه أسمعه الكلام النفسى الذى ليس بحروف ولا أصوات، لأن الحق أن الكلام النفسى غير ثابت، نؤمن بالله وبما أنزل وننكر التشبيه، ولو ثبت الكلام النفسى فكيف يسمع ما ليس بصوت، ولو قالوا: إن الله عز وجل ألقى فى موسى معانى تلك الألفاظ بلا تلفظ من لافظ كسائر الإلهام، لكفى خروجاً عن وصف الله بما ليس له، ويكفى ما ذكرت من الأوجه، فى أنه سمى كليماً، إذ تلك الكيفية لم تقع لغيره.

{ فاخْلَع نعْلَيك } لأنهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ، وهما طاهرتان بإزالة الودك، قال الترمذى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء وجبة وقلنسوة وسراويل من صوف ونعلاه من جلد حمار " وعن الحسن وغيره: " من جلد بقرة ذكيت " وللتواضع والأدب كما كان السلف يطوفون بلا خف، وأمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة فى النعل لمخالفة اليهود، فإذا علموا بالمخالفة وشهرت، فالصلاة بدونها أفضل، ولتنال قدما موسى بركة تلك الأرض.

ويبعد أن المراد بنعليه المال والولد، وكل ما سوى الله تعالى كناية عن إفراغ القلب، والفاء سببية، فالأنسب الخلع للإعظام، والأدب تفريعاً على قوله: { إنى أنا ربك } كما أن قوله عز وجل.

{ إنَّك بالواد المقدَّس } تعليل للخلع، أى لأنك بالوادى المقدس وهذا تعليل بشرف الوادى، وهذا كما تقول إنِّى أبوك فلا ترفع صوتك على أنى ربيتك، ولما أمر بخلعهما ألقاهما وراء الوادى { طُوًى } علم للوادى ممنوع الصرف للعلمية والعدل كعمره، كما قيل: إنه واد عميق مستدير، كأنه شىء طوى، فهو من الطى، فهو عربى كأنه اطوى نفسه لالتوائه، وقيل: للعليمة والعجمة بدل من الوادى، أو بيان، وقيل: رجل بالعبرانية منادى أى يا طوى أى يا رجل، وليس ألفه للتأنيث، لأن ألف التأنيث زائدة رابعة فصاعداً، أو هذه لام الكلمة.