الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ ثُمًَّ أَنْتُمْ } يا معاصرى محمد صلى الله عليه وسلم { هَؤُلاَءِ } أخص هؤلاء، أو يا هؤلاء، أو أنتم المشار إليهم المعهودون، كأنه قيل بماذا فأجيب، بما بعد، وأجاز الكوفيون، أن هؤلاء بمعنى الذين، فتكون صلته هى قوله { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فََرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَٰرِهِمْ } وذلك الإخراج بالاستعانة عليهم، كما قال { تَظَٰهَرُونَ } تتعاونون { عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ } فعل ما يستحق به الذم، أو نفس هذا الذى يستحق به الندم، أو ما ينفر عنه { وَالْعُدْوَانِ } الظلم الشديد { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ } ذلك الفريق الذين تخرجونهم من ديارهم وقت الحرب { أُسَٰرَى تُفَٰدُوهُمْ } بالمال أو بغيره، كالرجال العرب فى المدينة وأعمالها. الأوس والخزرج واليهود قريظة والنضير، وبنو قينقاع، وكان بين الأوس والخزرج حروب، فكانت اقريظة حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج، ولم يكن بين اليهود محالفة ولا قتال، وإنما يقاتلون لحفائهم، فإذا أسرت الأوس والخزرج يهوديا فداه النضير وقريظة جميعا. وفى الحرب يقتل القريظى النضيرى والنضيرى القريظى، ويخرب بعضهم دار بعض، ويخرجه منها معاونه لحفائهم، يقال لهم، ما هذا؟ فيقولون، القتل والإخراج لأجل حلفائنا، لانستذلهم، وهو مخالف لما عهد فى التوراة، ولذلك نفاديهم، لأنا أمرنا بالفداء، فأحلوا بعضا وحرموا بعضا، فكأنهم حرموا جميعا، وأما بنو قينقاع فلم يقتلوا ولم يخرجوا أحداً من داره، ولم يظاهروا، وضرب الجزية عليهم لأنهم لم يؤمنوا وبقوا فى ديارهم { وَهُوَ } أى الشأن { مُحَرَّمٌ } خير مقدم { عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } مبتدأ، أى الشأن أن إخراجهم من ديارهم محرم عليكم، كما عاتبهم بقوله، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم، حرم الله عليهم إخراج إخوانهم وقتلهم فى التوراة، وفيها بعد ذلك، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بنى إسرائيل فاشتروه بكل ما وجدتم واعتقوه { أَفَتُؤمِنُونَ } أتتعدون الحدود فتؤمنون { بِبَعْضِ الْكِتَٰبِ } التوراة، وبعضها هو نداء من وجدوه منهم أسيراً عند الأوس والخزرج { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ببعض الكتاب، وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة، وهم لم يتركوا القتل، إذ يقتلون بعضهم بعضاً فى الحرب، معاونة لحفائهم، ولم يتركوا الإخراج ولا المظاهرة، وفى الآية تنزيل ترك العمل بالكتابة منزلة الكفر، أى الشرك فإنهم آمنوا بالتوراة كلها، لكن نافقوا، ومن لازِم لإيمان بالشىء العمل بمقتضاه بذلك ويحتمل أن ذلك فى دينهم شرك، وفيه أن الشرك لا تختلف الشرائع فيه، قيل: أو سمى ذلك شركا مبالغة، أو المراد بالكفر كفر الجارحة وهى الفسق، وقيل عن ابن عباس رضى الله عنهما، عادة قريظة القتل، وعادة النضير الإخراج، فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النضير وقتل قريظة، وأسر نساءهم وأطفالهم، جازى كلا بما كان يفعل { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ } ذل { فِي الْحَيَٰوةِ الدُّنْيَا } بقتل سبعمائة من قريظة فى السنة الثالثة عقب الأحزاب، وأسر نسائهم وأطفالهم وضرب الجزية على باقيهم، وضرب الجزية على بنى النضير، ثم إجلائهم إلى الشام، ولا جزية عليهم بعد الإجلاء، لأن الشام فتح بعده صلى الله عليه وسلم، ولو كان قد تصرف فى بعضه بالتمليك { وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } هو أشد مما لقوا فى الدنيا، وفى القبر، فلا يرد أن المنكر لله، وعبدة الأصنام أشد منهم عذاباً، إلا من كان منافقاً، بإضمار نوع من الشرك أو بإسرار إلى بعض، فإن عذابه فى الدرك الأسفل.

السابقالتالي
2