الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

{ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } لم يوفقهم، سمى القلب قلباً لتقلبه، روى البيهقى عن أبى عبيدة بن الجراح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قلب ابن آدم مثل العصفور، يتقلب في اليوم سبع مرات " ، وليس المعنى فى الآية الإجبار، جل الله شبه الخذلان بالربط أو الإعلاق على شىء حتى لا يدخله غيره، فقلوبهم من حيث عدم نفوذ الحق إليها واستقراره فيها كالخابية والخريطة المختوم عليهما، وهذا تصوير للمعقول بصورة المحسوس للإيضاح، وكذا الختم فى قوله { وَعَلَى سَمْعِهِمْ } أي آلات سمعهم، فلذلك لا ينتفعون بما سمعوا من الحق، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أذنب العبد ضم من قلبه هكذا، فضم خنصره، وإذا أذنب ضم من قلبه هكذا، وضم التى تليها، وهكذا إلى الإبهام " والمراد بالقلوب هنا الجسم اللطيف القائم بالقلب، الكثيف الصنوبرى الشكل قيام العرض بالجسم، وقيام الحرارة فى الوقود، والبرودة بالماء، وبهذا اللطيف يحصل الإدراك وترتسم المعرفة، وكذا الأسماع يقوم بصماخها جسم لطيف يدرك الأصوات، { وَعَلَى أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ } غطاء عظيم، كأنه لا يرون بها، فيستدلون بما يرون على قدرة الله، لما لم ينتفعوا فى الدين بالنظر بها كانوا كمن جعل على بصره غشاوة، وفى ختم استعارة تصريحية تبعية. وفى غشاوة تصريحية أصلية، أو الاستعارة تمثيلية، شبه قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأحوالهم المانعة من الانتفاع بأشياء معدة للانتفاع، منع مانع من الانتفاع بها { وَلَهُمْ } على كفرهم { عَذَابٌ عَظِيمٌ } عظم شدة وأنواع ودوام، ولم يعطف إن الذين كفروا لأن المراد، والله أعلم، استئناف بيان أن عدم اهتداء الأشقياء لسبق شقوتهم وبيان مقابلتهم بإصرارهم لمن اتصف بالكمال ومضاتدتهم، لا لقصور فى القرآن عن البيان، فإنه غاية فى البيان، وإنما ضلوا باختيارهم للسوء، كما قال قائل:
وَالنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الأَبْصَارُ رَؤْيَتَهُ   وَالذَّنْبُ لِلطَّرْفِ لاَ لِلنَّجْمِ فِي الصِّغَرِ