الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَكُمْ } وثوقكم، كالميعاد بمعنى الوعد، وأفرد الميثاق لأن ما أخذ على كل واحد أخذ على غيره، فكان ميثاقاً واحدا، والمراد عهدهم الإيمان، بالتوراة كلها. والعمل بما فيها، أعطيتم الميثاق على ذلك، ثم أبيتم، وقيل، أخذ الميثاق قبل نزولها على أن يعملوا بما ينزل عليهم فى الكتاب، ولما نزلت التوراة نفضوا لما فيها من الميثاق { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ } حين نقضتم { الطُّورَ } الجبل، وكل جبل طور، وقيل إن كان فيه نبات، وهو عربى أو سريانى معرب، وقيل المراد جبل المناداة، حمل إليهم، اقتلعه جبريل من أصله وحمله فى الهواء بينهم وبينه قدر قامة أحدهم، وهو فرسخ فى فرسخ على قدر عسكرهم، قيل، والنار قدامهم، والبحر المالح خلفهم، فقيل لهم، إن لم تقبلوا رضختكم به. فسجدوا للقبول على أنصاف وجوههم، ناظرين بالعين اليمنى إليه خوفاً، فكان أفضل سجود اليهود بعد ذلك ما كان على الشق الأيسر والنظر باليمنى إلى جهة المساء، قائلين { خُذُوا } اقبلوا { مَآ ءَاتَيْنَٰكُمْ } وهو التوراة { بِقُوَّةٍ } باجتهاد، وقيل، لا يقدر القول هنا، لأن الميثاق قول، ولا دليل فى الآية لمن قال، الاستطاعة قبل الفعل، إذ لا يقال، خذ هذا بقوة إلا والقوة فيه، لأن بهذا المعنى لاننكر صحة تقدمها على الفعل { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } تعاهدوه بالمطالعة والدرس والتفهم لمعانيه والعمل به { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } عقاب الله، أو المعاصى، وتقدمت أوجه لعل فى كلام الله، وقس عليها فى جميع القرآن، وليس رفع الجبل فوقهم إجباراً على الدين، فلا يقال، كيف تقبل الطاعة، لأن الإحبار ما فيه سلب الاختيار، بل الآية كمحاربة العدو، إن أسلم رفع عنه السيف، وإن أخذوا زال الجبل، وأما الإكراه فى الدين ففى مخلوق لآخر أن يحبسه حى يؤمن، أو يمنع عنه الطعام حتى يؤمن أو نحو ذلك لا يجوز، ولو فسر لا إكراه فى الدين بالنهى عن القتال حتى يؤمر به، وأما الله فله فعل ما شاء، قيل: ولا يقال: الإيمان بالإجبار يجزى فى الأمم السابقة أو بعضها فتكون منه هذه القصة، لأن هذا مما لا تختلف الشرائع فيه، وقد قال الله تعالىفلولا كانت قرية آمنت } [يونس: 98] الآية.فلم يك ينفعهم إيمانهم... } [غافر: 85] الآية قلت: الآيتان غير ما فى هذه الآية، لأن هذه الآية جاءت فى القهر على الفعل، والآيتان فيمن أغلق عنه الله باب الفعل بتوجيه الموت إليه، ووجه آخر لا يقبل ما عن إجبار إذا استمرت الكراهة، أما إذا كان بعده الفعل بالاختيار فيقبل كل ما باختيار، فأخذوه بقوة ثم تركوه، كما قال:

{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم بعدم القبول، وأصله الإعراض بالجسد { مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ } العهد الذى أعطيتم وعملتم به مدة، أو من بعد ذلك العمل المعلوم من المقام، أو من بعد الأخذ بقوة، إذ لم يمتثلوا، بل استمروا على العصيان، لم يقل ثم توليتم، وقيل، بعد رفع الطور فوقكم، وإيتاء التوراة، فطوى عن ذكر امتثالهم { فَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ } بتوفيقكم للتوبة { عَلَيْكُمْ } الخطاب باعتبار الآباء { وَرَحْمَتُهُ } لكم بالتوبة أو بقبولها قيل، أو الخطاب للأبناء فالفضل والرحمة بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، لو لنفى تاليها، وإذا زيدت لا العافية ثبت ما نفى، هذا قول الكوفيين بتركيب لو من لولا والبصريون على أنها بسيطة { لَكُنْتُمْ مِّنَ الْخَٰسِرِينَ } كمن ذهب رأس ماله أو بعضه، هذا عندى يعين الخطاب للآباء، لأن يهود عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم خاسرون إلا ما شذ بخلاف من تقدم، ففيهم الخاسر والرابح.