الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً } أى من الجنة، وهذا يقوى، رجوع الضمير فى منها إلى الجنة، وكرر قول اهبطوا لأن الأول مذكور برسم العقاب بالهبوط وفوت نعيم الجنة التى لا أجل لها، ومضار الهبوط من العداوة إلى دار مؤجلة، وبرسم التوبة، والثانى مذكور على رسم التكليف كما قال { فَإِمَّا } إلخ إن ماء، وما تأكيد لعموم الإتيان وهذا يقوى أن الخطاب للذرية فى الأول أيضاً، لأن الحية والطاووس لا تكليف عليهما، وقد يقال الأول لهما ولآدم وحواء وإبليس، والثانى للذرية، أو ذكره أولا بليّة، وثانيا نعمة، إذا رتب عليه التكليف المؤدى إلى الرجوع إلى الجنة مع ما لا يحصى من ولده، كما روى أنه رق قلب جبريل على آدم وحواء فأوحى الله إليه، دعهما، فإنهما سيعودان إليها مع ما لا يحصى من ذريتهما، ويخلدون أبدا، وقد يقال كلا الخطابين كل لا كلية، وقد يقال هبوطان، الأول إلى السماء الدنيا مقدرين الاستقرار والتمتع فى الأرض، والثانى إلى الأرض فإما { يَأْتِيَنَّكُمْ } فى الأرض { مِّنِّ هُدًى } وحى أو رسول، مقتضى الظاهر، فإذا أتاكم منى هدى لتحقق الإتيان، لكان لما كان بعث الأنبياء والوحى إليهم من الجائز لا الواجب، ولا واجب على الله عز وجل، ذكر بصيغة الشك المعتبرة المخاطبة، لأن العقل لا يوجبه، ولو كانت الحكمة أن لا يهمل العاقل، وفى صفة الشك أيضاً تدريج، وفيه تخفيف، أو لتنزيل العالم منزلة الجاهل الشاك إذا لم يجز على مقتضى علمه { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } مقتضى الظاهر، فمن تبعه، لكن أظهر وأضاف للياء تعظيما، وقيل لأنه لعموم ما يعقل بالاستدلال، واتباع الهدى والإيمان والعمل والتقوى، ومن آمن ومات، أو تاب ومات قبل وجوب الواجبات فهو من هذا القسم، ومن أصر نفى النار، ولم يذكر فى هذه الآية إلا بمفهوم الشرط إذ شرط باتباع الهدى { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } والجملة جواب، وقيل محذوف، أى فاتبعوه فى آخر موتهم، ولا فى القبر ولا عند البعث، ويصيبهم الخوف فى الدنيا من مضارها ومن سوء الخاتمة ومن العقاب وفى بعض مواطن الموقف { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } فى الآخرة من ترك الإيمان والتقوى، إذ لم يتركوها فاستحقوا الجنة، والخوف غم لتوقع مكروه، والحزن غم لفوت مهم، ويجب التحفظ عن المعاصى قال بعض:
يا ناظِراً يَرْنُو بِعَيْنِى رَاقِدِ   وَمُشَهِدٍ لِأَمْرِ غير مُنَاهِدِ
مَنَّيتَ نفسكَ ضَلّةً وَأَبَحْتَها   طُرْفَ الرجاءِ وَهُنَّ غيْرُ قواصد
تَصِلُ الذُّنُوبَ إِلَى الذُّنوب وترتجى   دَرَجَ الْجِنَانِ بها وفَوزَ الْعَابِدِ
ونَسيتَ أن اللهَ أخْرَجَ آدماً   مِنْها إلى الدُّنْيا بذنْبٍ واحدٍ