الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

{ فَأَزَلَّهُمَا } أخرجهما إخراجا شبيها بالإزلال، أى بالإزلاق، فذلك استعارة أصلية اشتق منها تبعية فى أزل، أو حملهما على الزلة وهى الذنب، وهو راجع إلى ذلك لأنه شبه الذنب بالزلق { الشَّيْطَٰنُ } إبليس، بقوله، هل أدلك على شجرة الخلد.. إلخ وقولهمَا نَهَٰكُمَا رَبُّكما.. } [الأعراف: 20] إلخ، ومقاسمته لهما بعد إخراجه من الجنة لإبائه وتكبره، اتصلت إليهما وسوسته من حيث هو من الدنيا، أو من سماء، لخلق الله عز وجل له قوة ذلك، أو ذهبا فى فى الجنة تمتعا حتى وصلا بابها، فأسمعهما من خارج الباب، أو دخل الجنة متصورا فى صورة دابة من دواب الجنة ولم تعرفه الملائكة أو دخل فى فم الحية فمنه سمها، وكانت بقوائم على طولها من أحسن الدواب، فعوقبت بسلب القوائم، وقيل تسورت على الحائط، وقيل وقف طاووس على الجدار. فذهب إليه آدم وحواء فوسوس منهما إليه، وقد جاز إلى قرب الحائط، وقيل وسوس إليهما من وراء الجدار { عَنْهَا } أى عن الجنة، أو أزلهما عن الجنة عنها، أى بالشجرة، إذ أمرهما بالأكل منها { فَأَخْرَجَهُمَا } أى الشيطان بسبب الأكل الذى وسوس به، أسند الإخراج إلى السبب { مِمَّا كَانَا فِيهِ } من النعم واللباس والجنة، وهذا فى ضمن لإخراج المذكور بقوله أزلهما، كرره تفصيلا وزيادة زجر لغيرهما، وطاعة آدم وحواء نسيانا لنهى الله عز وجل، أو توهما من أول الأمر، أن النهى للتنزيه من أمر سهل، يتحملانه من الأكل ولا يضرهما أو توهما التنزيه أو النسخ من قوله ما نهاكما وقوله، هل أدلك، ودعوه النصح مع القسم احتراماً لحق الله أن يكذب عنه، ويخالف وعد ذلك دنيا فى حقهما لعلو مرتبتهما وعظم النعمة عليهما، فلا يردد أن الأنبياء لا يعصون قبل النبوة ولو صغيرة، ولا يستحضر فى قصة آدم ما يقال حسنات الأبرار سيئات المقربين، إذ لم يفعل آدم شيئاً مما عوتب عليه يدعيه حسنة بل يستحضر أنه يعد فى حق على الرتبة ذنبا ما ليس ذنبا فى حق غيره، { وَقُلْنَا اهْبِطُوا } أنت وحواء، عبر عنهما بصيغة الجمع، كما قال اهبطوا منها جميعاً إلى الأرض، أنتما ومن فيكما من الذرية، وفيه خطاب المعدوم، أو أنتما وإبليس والحية، قيل والطاووس فنزل آدم بسر نديب من الهند على جبل يسمى نود، أوحواء بجدة بضم الجيم فى مدة أربعين عاما فيما قيل، والله قادر على أقل كما ينزل جبريل وغيره فى لحظة، وإبليس بأصبهان، والطاووس بالشام، أنتما لأكلكما من الشجرة. وإبليس لإبائه، والحية لحملها إبليس، والطاووس لإبلاغ أمر إبليس إليهما، وليس قولا بمرة، بل أهبط إبليس، ثم الحية، فالطاووس، ثم آدم وحواء، وللحية والطاووس فى الجنة عقل، فعوقبا بالإخراج أو ليس عقابا { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } يطلق على الواحد فصاعدا، لأنه بوزن المصدر، كالقبول كما أنه يطلق فعيل الوصف كذلك لشبهه بالمصدر كالدبيب، والصرير، وذلك مجموع لاجميع فإن العداوة بين آدم وحواء فريقا، وبين إبليس والحية فريقا لا بين آدم وحواء، ولا بين إبليس والحية، ولا بينهم وبين الطاووس، وقيل الخطاب للذرية فى ضمن أبويهما، آدم وحواء، وذلك ظلم بعض لبعض { وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ } متعلق بلكم لنيابته عن ثبت أو ثابت { مُّسْتَقَرٌّ } استقرار أو موضعه، والأول أولى، وليس المراد الموضع الذى نزلوا فيه { وَمَتَٰعٌ } تمتع أو ما يتمتع به { إِلَى حِينٍ } آخر أعماركم، وقيل قيام الساعة، لأن المراد هم وذرياتهم تنازعه مستقر ومتاع.