الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } الحكمة العلم المحقق والعمل المتقن، وعن ابن عباس، المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله، وقيل: قراءة القرآن والفكر فيه، وقيل المعرفة بالله تعالى، وقال مجاهد: القرآن والعلم والفقه، وقيل عنه، الإصابة فى القول والعمل. وقيل: معرفة الأشياء، وفهم معانيها، وقيل: معرفة حقائق الأشياء على ما هى عليه فى نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية، وعن السدى، الحكمة النبوة، وعن ابن عباس، المعرفة بالقرآن، فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدمه ومؤخره، وعن مجاهد وقتادة، الحكمة الفقه فى القرآن، وعن ابن زيد، الحكمة الفقه فى الدين، وقال مالك: الحكمة المعرفة بدين الله، والفقه فيه، والاتباع له، وقال ابن القاسم التفكر فى أمر الله والاتباع له، وعنه الحكمة طاعة الله، والفقه فى الدين والعمل به، { فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً } لأنها سبب السعادة الأبدية، كما فسرها بعض بالعلم النافع المؤدى إلى العمل، وهو شامل لعلوم الإسلام، ولو منطقا لمن مارس القرآن، ولقى شيخا حسن العقيدة، وهو من أنفع العلوم فى كل بحث، حتى سماه الغزالى، معيار العلوم. وقال: لا يوثق بعلوم من لا يعرفه، وقال الربيع بن أنس: الحكم الخشية، والنخعى، الفهم فى القرآن، والحسن، الورع، ومعنى الحكمة المنع، وهو فى تلك الأقوال كلها، روى أن أهل الأرض يستوجبون العذاب فيصرفه الله لتعليم صبيانهم الحكمة فى القرآن، وعنه صلى الله عليه وسلم: " من قرأ ثلث القرآن، أى مع عمل، أعطى ثلث النبوة أو نصفه فنصفها، أو ثلثيه فثلثيها، أو كله فكلها، ويوم القيامة يقرأ ويرقى بكل آية درجة، فيقال له، اقبض فيقبض، فإذا فى يمناه الخلد، وفى يسراه النعيم " وفى الطبرانى عنه صلى الله عليه وسلم، " يميز العلماء يوم القيامة فيقول: لم أضع علمى فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم " ، وفى رواية: " غفرت لكم على ما كان منكم، ولا أبالى " ، قلت: هذا فى علماء إذا أذنبوا تابوا، وأصلحوا ما فسد أو أكثروا الفساد وماتوا وقد أصلحوا، وذلك أنهم أحق بالتشديد إذ علموا وخالفوا، فالعفو عنهم وتميزهم وخطابهم بذلك فضيلة، ألا ترى أن الأنبياء لا يسامحون فيما يسامح غيرهم، وذلك علم القرآن والسنة وعلم الأمة، واستأذن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع مسائل من التوراة يزداد بها علماً، فغضب ولم يأذن له، وقال: لو كان أخى موسى حيا لم يسعه إلا اتباعى، وفى عصرنا كثرت نسخ التوراة والإنجيل بلفظ العربية وخطها، والصواب، ألا تشترى ولا تباع ولا تقبل، ويسمونها العهد القديم، الإنجيل العهد الجديد، ولو كان فيهم خير لاتبعوا العهد الأجد، وهو القرآن { وَمَا يَذَّكَّرُ } يتعظ أو يتفكر { إِلآّ أُوْلُواْ الأَلْبَٰبِ } العقول الخالصة عن متابعة الهوى، والذين يتفكرون ما أودع الله فيها من العلوم بالقوة، وهم من أوتى الحكمة، ولمدحهم بذلك لم يضمر لهم، بأن يقول إلا وهو مراعاة للفظ من، أو الأهم مراعاة لمعناها، وهو الراجح، من حيث إنه أتى بالظاهر مجموعا.