الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } يخبركم بوقوعه عن الإنفاق تخويفاً لكم به لئلا تنفقوا ألبتة أو الأردياء { ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَآءِ } بما أنكره العقل واستقبحه الشرع، ومنه البخل، وهو المراد بالذات من هذا العموم، لأَن سوق الكلام لبيان حال الإنفاق وتركه، وقيل، الكلمة السيئة، وقيل، المراد هنا إنفاق الردىء، وقيل، الزنا، والعموم أولى، وأسند الوعد إلى الشيطان مبالغة بأنه نزله منزلة أفعاله التى تصدر منه، كأنه هو الموقع للفقر، من حيث إن الوعد الإخبار بما يكون من المخبر، بكسر الباء كذا يقال، وأولى منه، أنه الإخبار ولو من غيره، وأصله فى الخير والشر، وغلب فى الخير استعمالا، والوعيد يختص بالشر، والوعد فى الآية شر، ويختص أوعد بالشر، ومن استعمال وعد فيه قوله تعالى:متى هذا الوعد } [سبأ: 29] وهذه الآية، فإن الفقر شر ويجوز حمل الوعد هنا على الخير تهكما ومجازا للإطلاق والتقييد، أو للمشاكلة لقوله تعالى { وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ } لذنوبكم بالإنفاق، أو مغفرة لفحشائكم، ولفظ منه تأكيد فى الشأن { وَفَضْلاً } خلف رزق، وزيادة فى الثواب، والشيطان كاذب فى وعيده، قيل، يجوز أن يكون الفقر فى الآية خبرا، وهو قول بعيد، أو سماه وعدا، والوعد غالب فى الخير مشاكلة لقوله تعالى: { والله يعدكم مغفرة منه وفضلا } ، وتسمية إغراء الشيطان أمرا استعارة تصريحية، لأَنه ليس يكلم إنسانا ويسمعه، وقدم الوعد على الأَمر لأَنه يتقدم فيصغى إليه، ثم يأمر به فينفذ، والأَولى أن كلا على حدة، بعد الفقر بالإنفاق، ويأمر بالفحشاء على الإطلاق { وَاللهُ وَٰسِعٌ } فضلا { عَلِيمٌ } بالمنفق المخلص وبما ينفق من جيد وردىء. روى الترمذى، وقال: حسن غريب، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للشيطان بابن آدم لمة، وللملك لمة به، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان " ثم قرأ: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } ، ولمة الملك خطرته بالقلب بخير إلهاما من الله، ولمة الشيطان بالوسوسة وفى البخارى ومسلم ع ن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم " ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما، اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفاً ".