الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ يَٰآيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى } أى ولا بالأذى. فكل واحد منهما مبطل لثواب الصدقة ولو انفرد، وكيف اجتماعهما، وموجب للعقاب، لأنه ظلم للفقير، ويقال: مبطل للثواب ولا عقاب، ويقال، مبطل للمضاعفة ولا عقاب، والحق ما مر، وقيل المن على الله، والأذى للفقير { كَالَّذِى } إبطالا كإبطال الذى، أو كائنين كالذى، تشبيه للجماعة بالواحد أو بالجماعة على معنى، كالفريق الذى { يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ } إنفاق رئاء الناس، أو لأجل رئاء الناس، أو مرائياً لهم، كذا يقولون، وهو عجيب، كيف لا يقتصر على أنه مفعول من أجله مع سلامته من تأويل وتقدير، والفعال على بابه، لأنه يرى الناس الإنفاق، ويرونه الثناء، والمراد مبطل لثواب عمله، وفاسق يرثائه، هذا هو الصحيح، وزعم بعض العزالى أنه إن قصد الرئاء، ورضى الله أو ثوابه لم يبطل عمله، وبعض، إن كان الرئاء غالباً بطل علمه، وإن كان مغلوبا لم يبطل، وإن كان مساويا لم يبطل عند بعض، وبطل عند بعض، وهذا فى الموحد المنافق بالكبيرة، وأما المنافق بإضمار الشرك فلا قائل بعدم إبطال علمه، والآية فيه لقوله تعالى: { وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ } أفادت الآية أن من أنكر البعث خلقك: الآية، وذلك متبادر مع احتمال أن الآية فيمن كفر بالله من قلبه { فَمَثَلُهُ } مثل الذى ينفق للرئاء، لأنه أقرب مذكور، أو مثل المبطل لصدقته بالمن والأذى الذى هو فرد من الحج، فى قوله: لا تبطلوا... الخ، وهذا ضعيف، لأن فيه إفراداً من الجمع ولبعده، ولكن الغرض من التشبيه فى الأغلب أن يعود إلى المشبه، والغرض هنا بيان حال المشبه، بأنه لا ينتفع بصدقته { كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } حجر خالص، ما فيه هشاشة، وهو مفرد، اسم جمع، وقيل: اسم جنس، وله مفرد بالتاء، وهو صفوانة، وإفراد ضميره بعد ذلك قابل لذلك، والأولى الإفراد إذا قلنا اسم جمع أو اسم جنس، وقيل جمع صفاء، ويرده إفراد ذلك الضمير فى قوله تعالى { عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ } أصاب الصفوان { وَابِلٌ } مطر شديد، وهو رش، فطش، فطل، فنض، فيطل، فوابل { فَتَرَكَهُ } أى الصفوان { صَلْداً } نقيا من التراب، ما عليه غبره، ولو رددنا ضمير أصابه للتراب وهاء تركه للصفوان لكان فيه تفكيك الضمائر، والأولى خلافه { لاَّ يَقْدِرُونَ } أى لا يقدر الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى والذى ينفق ماله رئاء الناس، أو لا يقدر الذى ينفق الرئاء، لأن المراد به الجنس، فيسرى انتفاء القدرة إلى مبطلى صدقاتهم بالمن والأذى، إذ شبهوا بالمنفق رئاء { عَلَى شَىْءٍ } أى على ثواب شىء { مِّمَّا كَسَبُواْ } من التصدق والإنفاق، كما لا يقبت التراب على الصلد، ولا يحرث ولا يعرس فلا ثمرة منه، أو المنافق، كالحجر فى عدم الانتفاع، وإنفاقه كالتراب لرجاء النفع فى الإنفاق بالأجر، وفى التراب بالإنبات وغير ذلك، ورده كالوابل المذهب له سريعا، الضار من حيث يظن النفع، ويجوز أن يراد بشىء نفس الثواب، أى لا يقدرون على ثواب يحصلونه مما كسبوا، وضمير الجمع فى الموضعين مراعاة لمعنى الذى، المراد به الجنس بعد مراعاة لفظه، وقيل: الذى يطلق على المفرد والجمع { وَاللهُ لاَ يَهْدِى } لا يوفق القوم { الْكَٰفِرِينَ } المشركين، المختوم عليهم بالشقاوة، إلى الحق، وذلك عموم شامل للمؤذى والمان والمرائى، أو هم المراد، ولم يضمر لهم إشعاراً بأن كفرهم جر لهم ذلك الإيذاء والمن والرثاء، وإشعاراً بأن ذلك من صفات الكفار فيجتنب.