الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ } اسمه شاول بن قيس { مَلِكاً } كما طلبتم، أن أبعث لكم ملكا، وهذا القول مقدم نزولا ولو تأخر تلاوة، وطالوت عبرانى، ولو كان فعلوت من الطول بفتح العين لشدة طوله، وأصله طولوت بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح لصرف، لانفراد العلمية، ولا يصح أنه منع الصرف لشبه العجمة، لأن رهبوتا ورغبوتا وحموتا وملكوتا ونحوهن يصرفن، ولا يصح أنه معدول عن الطوال أو الطويل إذ لا يعرف العدل عن ذلك، بل عن فاعل، ولا تعسف فى أنه عبرى وافق العربية فى معنى الطول، ممتنع للعجمة والعلمية كما صدرت به، وقيل: عربى منع الصرف للعلمية وشبه العجمة، إذ ليس ذلك من أوزان العربية الغالبة. كان جالوت ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم، وضربوا الجزية عليهم وأبو العمالقة عمليق بكسر العين أو عملاق بكسرها، ابن لاود بن إرم بن سام ابن نوح، ولما دعا الله نبيهم أن يجعل لهم ملكا أمره ملك أن يقلب إناء الدهن الذى فى بيته على رأس طالوت فيكون كالإكليل على رأسه على استواء، فكان كذلك إمارة لما أخبروا من كونه ملكا أو أوحى إليه أنه إذا انتشى الدهن فى القرن لدخول رجل فهو ملك بنى إسرائيل، فادهن رأسه به وملكه عليهم، أو أتى بعصا طويلة من ساواها فهو الملك، فساواها ولا ضعف فى ذلك، لأن الله عز وجل أراد أن يبين الملك بالعلامة ليطمئنوا، ولو كان قول النبى كافياً، روى أنه ضل لطالوت دابة، فخرج يطلبها وقال له غلامه، ندخل على هذا النبى، لعله يرشدنا، فقال، نعم، فدخلا، فكان ما ذكر من العصا والدهن، ولا بأس بهما معا { قَالُواْ أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } مع أنه فقير راع، أو سقاء أو دباغ، من أولاد بنيامين شقيق يوسف، ولم تكن النبوة ولا الملك فى أولاد بنيامين، والنبوة فى أولاد لاوى بن يعقوب، والملك فى أولاد يهوذا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } لأنا من أولاد لاوى وأولاد يهوذا وليس هو منهم، لأن من كان من أهل النبوة، ولو كان من غير بيت الملك، أولى ممن ليس من أهل الملك ولا من أهل النبوة، ولأنه ضيق المال كما قالوا { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ } وسعنا منه، فرد الله عليهم بأن المعتبر اصطفاء الله، وقد اصطفاه كما قال { قَالَ } نبيهم { إِنَّ اللهَ اصْطَٰفَهُ عَلَيْكُمْ } والله يعلم الصالح، وبأنه أعلم منكم جميعاً وأجمل، والأعلم أمكن من معرفة أمور السياسة، وبأنه أعظم جسما مع قوة قلبه بالْعلم، فهو أليق بالحروب وأهيب للعدو كما قال { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } وكان القائم يمد يده، فينال رأسه، ويقال، كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه، وبأن الله المعطى المانع، وقد أعطاه الملك كما قال { وَاللهُ يُؤتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } وبأن الله واسع الفضل فقد يغنيه، وبأنه العالم بمن يليق بالملك كما قال { وَاللهُ وَٰسِعٌ عَليمٌ } ولا يضر أنه فقير أو دنىء الرتبة عندكم، ملاك الأمر اصطفاء الله، وقد اصطفاة، والعمدة وفور العلم، والملك لله، فله أن يعطى ملكه من يشاء، وهو واسع الفضل يوسع على على الفقير فيغنيه، وقدم البسطة فى العلم على البسطة فى الجمس لأن الفضائل النفسية أشرف من الفضائل الجسمية.

السابقالتالي
2