الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ يَٰأَيُّهَا النَّاسُ } لم يقع النداء فى القرآن بغير يا، وهى الأصل، فما حذف منه حرف النداء، مثل: { ربنا لا تؤاخذنا } ، وآية المؤمنون قدر فيه ياء، لذكرها فى غيره ولأصالتها، ويأيها الناس مكىّ، وقلَّ مدنيا، كما فى هذه السورة والنساء والحجرات، فإنهن مدنيات، والنداء هنا، وفى قوله: { يَٰأيها الإنسان } ، ونحوهما للتنبيه على ما يصلح، ويأتى للمدح، نحو، { يَٰأيها الرسول } ، و، { يَٰأيها النبي } ، و، { يَٰأيها الذين آمنوا } ، وللذم نحو، قل يأيها الكافرون، وليس منه، يأيها الذين هادوا، لأن المعنى الذين ادعوا أنهم تابوا إلى الله. إلا أن يدعى خروجه عن معناه الأصلى إلى معنى الذين بقوا على اليهوديه مع بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون للعقاب، كقوله تعالى: يا أيها المدثر، و: يا أيها المزمّل، أو الآيتان للإنشاط والإراحة من صبق المفاكه لغيره، ويكون لغير ذلك، والخطاب فى مثل الآية للموجودين المكلفين والآيتين بعد إلى قيام الساعة، ولو مجانين أو صبيانا يقيد الإفاقة والبلوغ، وذلك تغليب وقيل للمكلفين الموجودين فى مهبط الوحى، وأما غيرهم فبالنص أو القياس أو لإجماع، لا بصيغة الشراء ونحوها، وعلى الأول خوطبوا إذا بلغوا أو أفاقوا من زمان الوحى، قال بعضهم: الأصح أن نحو يأيها الناس يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ولو قرن بقل، أو اكتب إليهم، أو بلغهم، أو نحو ذلك، وقيل: لا يشمله، لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره، لأنه إن كان آمراً أو مبلغاً فلا يكون مأموراً أو مبلغاً إليه لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمراً ومأموراً، ومبلغاً ومبلغاً إليه للضرورة ولأن الآمر أو المبلغ طالب، والمأمور أو المبلغ إليه مطلوب، وإن قيل: قد يكون آمراً ومأموراً، مبلغاً مبلغاً إليه من جهتين، قلت: الآمر أعلى رتبة من المأمور، ولا بد من المغايرة، إلا أنه لا يشترط أن يكون المبلغ أعلى رتبة من المبلغ إليه، لكن الخطاب يصل المبلغ قبل، وقيل: إن قرن بنحو قل لم يشمله صلى الله عليه وسلم لظهوره فى التبليغ. وإلا شمله. والأصح أن نحو، يأيها الناس يشمل العبد المكلف شرعاً كما يشمله لغة، وعليه الأكثر، وقيل: لا يشمله لصرف ما معه إلى سيده فى غير أوقات ضيق العبادات وشمل الكافر أيضاً، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح، وشمل الموجودين وقت النزول، وقيل: يتناول من سيوجد أيضا، وفيه أنه لا يظهر أن يقال للمعدوم يا فلان أو نحو ذلك { اعْبُدُوا رَبَّكُمْ } وخذوه لا تجعلوه له شريكا، أو اعملوا الصالحات واجتنبوا المحرمات له، ومن ذلك ترك الأصنام والهوى { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم } وتعليق الحكم بالمشتق أو بما معناه يؤذن بكونه علة، أى اعبدوا الذى هو سيدكم، أو مريبكم، وخلقكم وخلق الذين من قبلكم، أى اعبدوه لسيادته وملكه وخلقه لكم، فما ليس سيداً لكم ولا مالكاً ولا خالقاً لا يستحق أن يعبد { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قال سيبويه: عسى فى كلامه تعالى للتحقيق، ولا يشكل عليه قوله تعالى { عسى ربه إن طلقكن } لأن تحقيق تبديل أزواج خير معلق بالتطليق، والطليق غير واقع، وأمل سئل عسى، فمعنى الآية تحقق حصول الوقاية عن عقابه بالعبادة، أو اعبدوه راجين حصول الوقاية، فقد لا تكون العبادة وقاية لخلاها، أو إبطالها برياء أو وردة أو نحوهما، أو اعبدوه لتحصلوا الوقاية، أو شبه طلب التقوى منهم بعد اجتماع أسبابها ودواعيها بالترجى فى أن متعلق كل منهما مخير بين أن يفعل وأن لا يفعل، مع رجحان ما بجانب الفعل، فينتقل ذلك إلى كلمة لعل فتكون استعارة تبعية، أو تشبه ذواتهم بمن يرجى منه التقوى فيثبت له بعض لوازمه، وهو الرجاء، فتكون الاستعارة بالكناية.